أتساءل دائما: لماذا يتم تضييق مفهوم الرياضة في الساحة الوطنية على كرة القدم فقط، وبجزء يسير جدا على بعض الألعاب الرياضية الأخرى ذات الصلة بالكرة كالسلة والطائرة؟ فالألعاب الرياضية من جهة، وألعاب الكرة من جهة أخرى نشهدها ضمن العشرات من الممارسات والألعاب الرياضية المختلفة في الألعاب الأولمبية وغيرها من الفعاليات الدولية التي تنعم بها شعوب العالم، وتستمتع بممارستها وتتفوق فيها وتحصد الميداليات المختلفة، في حين تقتصر مشاركاتنا على كرة القدم فقط وتنحصر بشكل أساس ومنفرد، إلا فيما ندر من المشاركات الأخرى المحدودة جدا، سواء كانت كمشاركات فردية أم على المستوى الرسمي، لماذا لا تستثمر طاقات شبابنا في اتجاهات مختلفة ومواهب خلاقة وإبداعات أخرى؟!
من الطبيعي أن هناك مواهب وقدرات متنوعة يثرى بها الفتيات والشباب، لو وجدت من يحتضنها ويرعاها ويقوم على تدريبها وتأهيلها لنافست بجدارة غيرها من شعوب العالم. لماذا لا نُفعل وندعَم مثل تلك الأنشطة الرياضية المختلفة في المدارس والجامعات وفي منشآت المجتمع كالأندية الرياضية، لتحتضن روادها وهُواتها وتقوم على تدريبهم وتأهيلهم؟! لماذا لا نستثمر في تلك النشاطات الرياضية المختلفة، الطاقات والقدرات المختلفة والمتباينة لشبابنا، إناثا وذكورا، ونوجهها نحو الإبداع والتميز بما ينعكس مردوده إيجابا على الفرد والمجتمع الذي يحتويه؟! أليس ذلك أجدى من أن تُهدر طاقاتهم في أنشطة وممارسات هدامة ومُدمرة لهم ولمجتمعاتهم على اختلافها، سواء من الانجراف نحو الإرهاب أو تعاطي المخدرات أو غيرها من السلوكيات المشينة التي نجدها في مجتمعاتنا وبين الشباب بصفة خاصة؟!.
لقد أثلج صدورنا بيان مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برعاية سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في يوم الإثنين 14/ 2/ 1438، والمتضمن توجيه المجلس بإعادة هيكلة القطاع الرياضي وتطويره وتنميته، بما يخدم تنافسية الرياضة في المملكة على مختلف الصُعد، كما وجه المجلس الهيئة العامة للرياضة والجهات المعنية الأخرى، بإنشاء صندوق تنمية الرياضة والاستفادة من الصناديق الأخرى ذات الصلة، بما يضمن تحقيق الأهداف المرجوة من إنشاء الصندوق، وبما يدعم الألعاب الرياضية المختلفة ويسهم في تنميتها والاستثمار فيها وفي المجالات ذات الصلة، وبما يعمل على المساهمة في تخصيص الأندية الرياضية، وإنشاء وتمويل حاضنات لألعاب الهواة المتعددة تحت مظلة مؤسساتية، بما يسهم في خلق وظائف تزيد على 40 ألف وظيفة، وأن يتم الرفع بذلك في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، ولضمان تنفيذ مراحل التخصيص على الوجه الأكمل؛ قرر المجلس تكليف لجنة إشرافية تتولى الإشراف على تنفيذ وإتمام مراحل وإجراءات تخصيص الأندية الرياضية، وبما يعود بالنفع والنتائج المثمرة على تطوير الأنشطة الرياضية من جهة، وعلى المجتمع والمواطنين من جهة أخرى.
الأمل والطموح يدفعاننا لمتابعة ما يستجد من هيكلة للقطاع الرياضي في المملكة، بجميع ما تتضمنه توجيهات مجلس الشؤون الاقتصادي والتنمية، والتفاؤل بالخير يمَلكُنا في استحداث أنشطة رياضية جديدة وتحت مظلة مؤسساتية، إلى جانب كرة القدم التي استحوذت على الساحة الرياضية والمجتمعية بتفرد لسنوات طويلة، دون إتاحة الفرصة لمشاركات متنوعة ومختلفة وفي ظل رعاية رسمية، وحيث إن التخصيص واحتضان الألعاب الرياضية والمواهب من ضمن التوجهات الجديدة، نأمل أن يُؤخذ ذلك في عين الاعتبار بشكل فعلي وملموس، بحيث نشاهده ونجده كمشروع وطني جديد في مضمونه وآلية تنفيذه، بل في ما يستهدفه من شرائح المجتمع بنوعيه، إناثا وذكورا، وأن يكون ذلك متاحا في كل مدينة من مدن المملكة، بل في عدة مراكز من المدينة الواحدة، ليكون بها ناد رياضي يشتمل على نشاطات رياضية مختلفة، بإدارة مؤهلة ومدربين ومتابعين للأنشطة المختلفة، تتخللها مسابقات وحوافز تشجيعية لمنسوبيه، ومما لا شك فيه فإن إنشاء صندوق للتنمية الرياضية وتخصيص الأندية سيسهمان إلى حد كبير في تطوير مفهوم النشاط الرياضي ومضمونه، سواء بنشاطاته المختلفة وتوزيعه بين المناطق والأحياء من جهة، وبين ما يستهدفه من شرائح تحتوي كافة أفرد المجتمع من الفتيات والذكور، وبذلك يمكننا -بإذن الله- تحقيق إنجازات متعددة على المستوى الرياضي وعلى المستوى المجتمعي والوطني، باستثمار طاقات الشباب وإبداعاتهم فيما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالنفع صحيا ونفسيا واجتماعيا، كما أن الدولة بمؤسساتها المختلفة ذات الصلة بالمواطنين وأمنهم وسلوكهم وتنميتهم، ستحصد بلا شك انخفاضا كبيرا في حجم الاتجاه نحو السلوكيات السلبية، كالإرهاب والمخدرات وغيرها من التوجهات المنحرفة والجرائم التي تلعب فيها أوقات الفراغ المهدرة، بيئة خصبة لذلك، بل يتم من خلالها التسرب إلى فلذات أكبادنا واصطيادهم لتفريغ طاقاتهم ومواهبهم المدفونة ليجدوا فيها ذاتهم المهملة والمهمشة في مجتمعهم.