على هيئة الترفيه أن تمد خطوط مشاريعها للاتصال مع المؤسسات الحكومية ذات الصلة والهم: المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية والثقافية
ما الذي يجري للحظة الثقافية الجمعية في مدينة الورد والفن (الطائف المأنوس)؟! تهديدات واقتحامات وإقصاءات لفعاليات ثقافية- أدبية مسالمة؟ ليست من تلك الفعاليات الفكرية، التي تكون مثارا للرفض في مشهدنا المحلي طبعا)! كما أن تلك الفعاليات الأدبية لم يكن بطلها شعراء من أطياف (أدونيس) أو(أنسي الحاج) مثلا..
ولكن كان قدر (النادي الثقافي) للطائف أن يكون في مواجهة غالبا مع التطرف والعنف والإقصاء..يحدث هذا العبث مرة على الأقل -كل عام- وربما لو أن (النادي) كان أكثر (حراكا) لكانت (دراما) التطرف والتخريب أكثر عدة وعتادا!!
وليس بعيدا عن الذاكرة ما حدث قبل عام فقط وبضعة أيام من مشاهد تضحك وتبكي، داخل نادي الطائف الأدبي، إذ تحولت أنظار الحضور عن (منصة) الضيف الثقافية، ليشاهدوا كوميديا المطاردات وهروب واشتباك بالأيادي..!
آخر الأحداث البائسة ما كان في أمسية الشاعر (حيدر العبدالله) الأسبوع الماضي، بحث مستميت -كذلك- عن رائحة (اختلاط) بين رجال ونساء، لا يأتون غالبا إلا للبحث عن أطياف ثقافة وشعر وفنون غائبة! ولكن أوصياء الرغبات لم يجدوا -كما هم متأكدون سلفا- سوى رجال في قاعة، وبضعة من النساء في قاعة أخرى، لا يعرفن من جاء لـ(الفزعة) عنهن!
يحدث كل ذلك، مع غياب للفعاليات الفنية الطبيعية في المدينة الحالمة (مما يستجيب له الإنسان من نداءات ألحانه الشعبية الموروثة)..
عندما كانت رائحة الورد والكادي، تفوح من بساتين الطائف العذبة، تستفز إنسان المدينة لأن يغني أناشيده القصية على ألحان المجرور والحدري، فيتحول المكان إلى كرنفال راقص بالبهجة الإنسانية الحقيقية! من يصدق أن (الطائف) التي كانت حدائقها وبراحها الأنيقة مسارح من حجر ومرج، تغني فيها الأرواح الشجية بأصوات عبدالله محمد وطارق وطلال وفكري..؟
ومن يقتنع بأن هؤلاء الرجال، الذين لا يجدون حرجا ولا إثما في مهاجمة الآمنين المطمئنين على قصائدهم ونداءات عقولهم، لم يكونوا إلا على بعد مسافة قليلة، من روابي المثناة وشهار، التي كانت أشجارها تنقل لسكان المدينة تراتيل الوجد التي تجري فعالياتها (طازجة.. مباشرة)، بأصوات النساء، وهن يحتفلن بأفراحهن الطبيعية في مناسبات الحج والزواج والولادة والحصاد، في الوقت الذي كانت ثمة (دكة) عتيقة تحت سدرة مجللة بالألق، تلقي بتحاياها المسائية المعتادة على من يقتعدون حنينها كل ليلة: شعرا ونثرا وفنا ووجدا.. (طارق عبدالحكيم ومحمد طلعت وإبراهيم خفاجي وعبدالله المرشدي وعارف ومحمد الفهد العيسى و..)! لله ما أشد تلك المفارقة بين اللحظتين وجعا وحنينا!
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن فعاليات (مجتمع الترفية) في زمن الطائف الجميل يمكن أن تكون مشاهدها شاهدا منهجيا لما يسمى الآن بـ(هيئة الترفيه)، لأن فعاليات هذه الهيئة، مهما جد أصحابها، لن تصل حتى لربع النسبة من فعاليات (مجتمع الترفيه) إذ كان (المصيف) العريق يقدم أنموذجا معبرا وصادقا عنها.
لن أتحدث هنا عن واجبات هذه الهيئة الجديدة للفرح والترفيه وخطط عملها ومخرجات إنتاجها، ولكني سأشير مستحضرا ما سبق إلى أهمية الإجابة عن السؤال الحاسم: هل هيئة الترفيه قادرة على صناعة مجتمع الترفيه بنصف تجلياته الجميلة السابقة على الأقل، إذا لم يكن المجتمع (ذاته) راغبا في ذلك الترفيه بسياقاته الأدبية والفنية المألوفة؟ لأن الهيئة المستحدثة ستفشل حتما إذا لم تقدر على تحقيق ذلك!!
فمجتمع (أول..تحول)، وإذا أرادت (هيئة الترفية) تلك أن تعمل بصدق وإخلاص وجد، من أجل إنسان هذه الأرض المباركة، وتخليصه من مآسي الخطابات التي فرغت نفسه من ألفتها وإنسانيتها وحاجاتها للسمو أدبا وفنا وجمالا فوق غرائزها النفعية حينا، وأفكارها الشاذة المتطرفة حينا آخر، فعليها بداية ونهاية أن تمد خطوط مشاريعها للاتصال مع المؤسسات الحكومية ذات الصلة والهم: المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية والثقافية، لصياغة بيانات ومقررات ووصايا وبرامج مشتركة متسقة، تفاديا للاصطدامات المتوقعة بين خطاب الترفيه وخطاب تلك المؤسسات، في محاولة مستميتة لإعادة صياغة الإنسان لدينا صياغة جديدة (قديمة!)، تجعله يمتلك قدرا مقنعا من الوعي الصحيح القادر على رؤية الكون والحياة والموجودات والجماليات بطريقة (طبيعية)، تجعله من جهة أخرى على وفاق نفسي مع تجليات الفن والأدب والجمال و(الترفيه)..
ليصبح كل ما استبد (بإنساننا) التعب والملل والتوتر، أخذ نفسه (للطائف) من جديد..
الطائف/ الأنموذج الترفيهي القديم..الجديد!!