الإيثار مرتبة عالية تفوق السخاء، وتتجاوز البذل، وتبزّ العطاء! لن تستطيع الوصول إليها إلا حينما تقدم غيرك على نفسك.. بمعنى آخر: تخاطر بحياتك لأجل حياة الآخرين.
لا تزال باحثة علم النفس بيغل مارش، مشغولة البال بشخص قام بإنقاذ حياتها؛ حينما تعرضت لحادث سيارة وهي عائدة إلى منزلها ليلا، قبل 20 سنة!
ركض الرجل عبر أربعة مسارات للطريق السريع في منتصف الليل، ليعيدني إلى بر الأمان، بعد حادث سيارة كادت تتسبب في مقتلي، وكما هو واضح -تقول مارش- فقد تركني بحاجة ماسة، ورغبة ملحة لفهم السبب الذي دفعه للقيام بذلك! هي لا تعرف أي شيء عنه، سوى أنه يشبه أحد الممثلين.. لذلك فهي في حيرة من أمرها: ما القوى الداخلية التي دفعته لاتخاذ القرار بالمخاطرة بحياته لإنقاذ حياة غريب! وبعبارة أخرى تعيد مارش طرح حيرتها قائلة: ما دوافع قدرته على الإيثار؟
كيف لرجل أن يتخذ قرارا في جزء من الثانية، ويوقف سيارته ويركض بين السيارات في الظلام لينقذ حياتها.. وحينما أعادني إلى بر الأمان -تقول مارش- وتأكد أنني سأكون على ما يرام انطلق مبتعدا بسيارته مرة أخرى، لم يقل لي حتى اسمه، وأنا متأكدة أنني نسيت أن أشكره!
كانت على وشك الموت، ولكنها لم تمت.. ولم تمت حيرتها على مدى عقدين من الزمن: لماذا فعل ذلك؟!
تغيرت، أو قل: تغيّر مجرى حياتها تماما، وأصبحت باحثة في علم النفس، وتركز عملها في فهم قدرة الإنسان على الاهتمام بالآخرين.. من أين تأتي وكيف تتطور! ولو كنت على معرفة بها لاختصرت عليها الطريق وقلت لها: إنها تأتي من المجتمع، حينما يقوم المجتمع بغرس القيم النبيلة، ومكارم الأخلاق في نفوس أبنائه تصبح سلوكا طبيعيا لا يثير أي حيرة ولا استفهام.. يتجاوز الدائرة القريبة نحو الغرباء.. سواء أكان عمليات إنقاذ، أو تبرعا بالدم أو حتى التبرع بالأعضاء!
لكن حينما تقوم الأسرة على غرس الأنانية وحب الذات، في نفوس أطفالها، كما تفعل كثير من الأسر في مجتمع السيدة مارش، فمن الطبيعي أن ينشأ الناس على حب المصلحة الشخصية، وبالتالي يكون هذا السلوك غريبا ومحيّرا!
نعم، بوسع كل شخص أن يوسع دائرة التعاطف لتشمل الغرباء.. لكن أين الدافع!