محاولة الفَتِّ من عضد السعودية عبر إحداث شعور عام بأن كل شيء يجري في هذا الكون يسير ضدها أمر غير إيجابي ولا يخدم المصلحة، ونحن وإن قرأناه أو سمعناه في كتابات وكلمات بعض من لا نشك في حبهم وحَدَبِهم وحرصهم على ما يحقق الخير لبلادنا، فإننا نقرؤه ونسمعه أكثر فيما يكتبه ويقوله بعض من لا نشك في كرههم لنا ورغبتهم الحاقدة في يومٍ لا يسمعون فيه بذكرنا.
 آخر أنموذج لذلك هو قرار الكونغرس الأميركي الذي اشتهر باسم قانون فرانك وولف للحرية الدينية، والقاضي بإلزام الحكومة الأميركية معاقبة الدول التي تعتبرها الخارجية الأميركية منتهكة للحرية الدينية، ومن خلال متابعة هذا القانون وخلفياته نجد أنه ليس غريباً على الولايات المتحدة، فحكومتها ملزمة قانوناً بمعاقبة الدول التي تنتهك الحريات الدينية حسب المعيار الأميركي، ومنذ عام 1997 والبيت الأبيض يحتوي على مكتب مراقبة الاضطهاد الديني، وهو مكتب مستقل عن وزارة الخارجية الأميركية وتحت إشراف الرئيس مباشرة، وتُبْنَى على تقاريره وتقارير وزارة الخارجية قرارات فرض العقوبات على الحكومات المنتهكة للحريات الدينية، فأصل قرار فرانك وولف ليس جديداً، لكن الجديد فيه هو التشديد على الحكومة الأميركية بعدم تقديم تنازلات عن الدول التي تُصَنِّفُها الخارجية الأميركية لسنتين متواليتين بأن وضع الحريات الدينية فيها يبدو مقلقاً.
فالسعودية ليست وحدها مستهدفة بهذا القانون، بل إن الدول التي تعتبرها الخارجية الأميركية مقلقة في مجال الحريات الدينية عديدة، كما أن السعودية ليست هي الأولى في التصنيف، إذ هناك 8 دول تُعْتبر حسب تصنيف تقرير الخارجية الأميركية في المستوى الأول من انتهاك الحقوق الدينية، وهي: بورما والصين وإريتريا وإيران وكوريا الشمالية والمملكة العربية السعودية والسودان وأوزبكستان.
لذا فإن صياغة خبر قانون فرانك وولف في الإعلام العالمي والعربي، وتكرار أنه موجه ضد السعودية، صياغة أقل ما نقوله عنها إنها خاطئة، ويحق لنا أن نقول أيضا إنها مغرضة تستهدف الفتَّ من عضد الدولة وإشعار صناع القرار وكذلك المواطنين: أن البلاد أصبحت محاصرة من كل صوب، مما يُسهم مع الوقت وتوالي الأخبار المماثلة في إشاعة اليأس الذي لا يعقبه إلا التسليم والانقياد للضغوطات والإملاءات التي لا تصل الدول بمثلها في نهاية المطاف إلا إلى غاية واحدة وهي الانهيار.
كما أن تكرار ربط هذا القانون بالسعودية ربما كان الهدف منه صرف أنظار العالم عن الدول الأخرى والمدرجة في قائمة الخارجية الأميركية، وهي دول حتى بالنسبة لنا على المستوى الشعبي كمواطنين أوعلى المستوى الرسمي للدولة توصف بأنها تُمارس أبشع أنواع الاضطهاد والتنكيل بالمسلمين، فبورما -وهي أُوْلَى الدول في قائمة الخارجية الأميركية- تمارس أبشع أنواع الاضطهاد للمسلمين من العرق الروهنجي، والصين وهي الدولة الثانية تُمارس أبشع أنواع الاضطهاد ضد مسلمي غرب الصين، فيما كان يُعرف بتركستان الشرقية وتقطنه أقلية الويغور المسلمة، وإريتيريا تُمارس حجباً إعلامياً مخيفاً لممارساتها القمعية ضد الغالبية العربية والمسلمة، أما إيران فقصتها أشهر من أن تخفى على أحد، فهي تنتهج الإرهاب الطائفي ضد أكثر من 30% من الإيرانيين السنة، والإرهاب العنصري ضد 30 مليوناً من العرب والبلوش والتركمان والكرد والأذريين، كما تعتدي على المواطنين السنة في العراق وسورية وتشن ضدهم حرب إبادة، وأما كوريا الشمالية فهي دولة ماركسية تعمل على سحق الأديان وقمع أي نوع من التدين.
هذه هي الدول الأول في القائمة الأميركية، والتي يؤدي استمرار تجاهلها في وسائل الإعلام عند الحديث عن قانون فرانك وولف إلى تجهيل الرأي العام العالمي بما يحدث فيها، وإبراز السعودية وكأنها هي الشر المحض على الكرة الأرضية بأسرها، نعم هذه هي الرسالة التي ستصل للرأي العام العالمي، وهذه هي المعلومة التي سَتَعْلَق بالأذهان، مع أن الإعلام السعودي والنُشَطَاء السعوديين الذين طاروا بهذا الربط وكرَّروه في صحفهم ومدوناتهم أرادوا صادقين التنبيه إلى الانحياز الأميركي ضد بلادهم، وهو انحياز لا تخطئه العين ولا يجادل فيه أحد، لكن استمرار ربط مثل هذه القوانين بالسعودية له آثاره السلبية والتي لا تخطئها العين أيضا.
حقاً إن إدراج الخارجية الأميركية للسعودية في القائمة الأولى للدول التي تثير قلقاً في مجال الحريات الدينية، ووضعها إلى جانب بورما والصين وإيران وإريتيريا، لا يتوافق حتى مع المعايير الأميركية للحرية الدينية، وهو مبني على استهداف مقصود للمملكة أو على بيانات مغلوطة، لذلك فإن أي مشكلات محتملة ضد بلادنا جراء هذا القانون يمكن الرد عليها بسهولة وبإجراءات غاية في عدم التعقيد، وصناع القرار السعودي يدركونها جيداً، بل إن الولايات المتحدة نفسها تدركها جيداً، لذلك لم تقم بتلبية التوصيات السابقة من مكتب الاضطهاد الديني في البيت الأبيض بفرض عقوبات على السعودية خلال الاثني عشر عاماً الماضية، وربما جاء هذا القانون لإحراج إدارة ترمب القادمة ووضعها في مأزق أمام الصين والمملكة العربية السعودية بشكل خاص، أو لاستخدامه لمزيد من الضغط على السعودية للتحرك نحو التغيير القيمي، وهو مطلب إستراتيجي تشتغل الولايات المتحدة للوصول إليه في كل مكان من العالم، وإن كانت ترى للمملكة مزيداً من الخصوصية تجعلها تخصها بالمزيد من محاولات الضغط نحو التغيير، والسؤال هنا: هل يمكننا الاستفادة من هذا القانون؟
الجواب نعم وذلك بأمور، منها: العمل الإعلامي الجاد في إبراز الانتهاكات الخطيرة والاضطهاد الديني الذي تقوم به دولة كإيران عبر دعم القنوات الناطقة بالفارسية والإنجليزية والمتخصصة في نقد النظام الإيراني وفضحه، وَمِمَّا نستمع إليه آسفين كثيراً أن إحدى هذه القنوات وهي قناة كلمة الناطقة بالفارسية تم توقيف بثها على جميع الأقمار الصناعية لعدم قدرتها على الوفاء بالتكاليف المالية لها، مع أن القناة تعد من أخطر القنوات في نظر النظام الإيراني، لأنها وبحق قد أثبتت مع زميلاتها القنوات الناطقة بالفارسية هشاشة إيران من داخلها، وأن القضاء على نظام الملالي الصفويين ليس أمراً صعباً في حال وجود الإرادة السياسية والعمل الإعلامي الجاد.
كما يمكن وفق هذا القانون الإكثار من مراسلة الصحف والمجلات والقنوات الأميركية ونشر المقالات البحثية المتميزة التي يتم من خلالها كشف فضائح النظام الإيراني للرأي العام العالمي، ويوجد لدينا في السعودية مركزان بحثيان متخصصان في الدراسات الإيرانية، وللأسف أيضا هما مركزان فقيران مادياً، ويبذل أصحابهما فيهما جهداً أشبه بالتطوعي، ومع ذلك فبإمكان أي كاتب الاستفادة منهما في كتابة مقالات موثقة ومراسلة الإعلام الأميركي والأوروبي بها.
ومن المؤسف أن هذه الوسائل التي ربما نجد من القرّاء من يسخر منها فضلاً عن المسؤولين الذين لم يعيروها حقها من الاهتمام، هذه الوسائل يعمل بها الإيرانيون وبشكل جاد ومؤثر، فلديهم أكثر من 400 قناة تلفزيونية بمختلف لغات العالم تهاجم بلادنا وعقيدتنا، ولديهم كتاب إيرانيون وأوروبيون وأفارقة وآسيويون مستأجرون، ينشرون كل ما يشوه سمعة بلادنا وعقيدتنا في مختلف لغات العالم، حتى تلك اللغات التي لا يتحدث بها سوى بضعة ملايين على وجه الأرض كاللغة الهولندية، حيث تحتضن صفحات الصحف الهولندية عدداً من الكتاب مسخرين لخدمة النظام الإيراني ونقد السعودية، وقد ضربت المثل بهولندا ليتصور القارئ حجم العمل في اللغات الكبرى كالإنجليزية والهوسى والأردو، فالعمل الإيراني لتأليب العالم بأسره على بلادنا، أما عملنا في مقابلة ذلك وفي استثمار الفرص القانونية كتبرير الخارجية الأميركية وقانون وولف فضعيف جداً، بل أقول بصراحة إنه قوي في الجانب السلبي، ولك مطلق الحرية في تفسير هذه الكلمة.