المكانة التي تحظى بها السعودية في قلوب المسلمين تحتاج إلى دوافع لتظهر على السطح، ولا يتحقق هذا إلا عبر الدبلوماسية الشعبية التي تعمل على إبراز مواقف المملكة تجاه قضايا الشعوب الإسلامية
تنظر دول العالم الإسلامي والأقليات المسلمة حول العالم إلى المملكة نظرة مختلفة عن بقية دول العالم، لمكانتها الدينية لأنها أرض مهبط الوحي، والحاضنة للحرمين الشريفين، وهذه مكانة كُبرى تحتم على المملكة واجبات كبرى تجاه تلك الدول وشعوبها في الإطار الإسلامي والأخوي.
مؤخرا تم تداول مقطع مسجل للرئيس السابق لجمهورية القمر الاتحادية الإسلامية (جزر القمر) أحمد سامبي، قال فيه إن إسرائيل طلبت (من بلاده) فتح سفارة مقابل أموال سنوية، ورفضنا، فأين الدول العربية؟ وإيران الوحيدة التي زارنا رئيسها وعرض مساعدتنا.
مثل هذه التصريحات استمعنا لها مرارا وتكرارا من شخصيات من دول إسلامية مختلفة، ومن أقليات إسلامية حول العالم، تنتظر من دول الخليج العربي -والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص- الدعم والمساندة. يجب أن ندرك أن الدعم ليس ماليا فقط، فهناك سبل وأدوات أخرى ينبغي تفعيلها لبناء جسور التواصل والاتصال مع تلك الشعوب.
إن الأهمية الدينية الاستراتيجية والجيو-سياسية لكثير من الدول تحتم على السعودية الاهتمام بالقوة الناعمة، والعمل على تصحيح صورة المملكة، والتواصل مع نخب المجتمعات الإسلامية، بعيدا عن الطابع الرسمي، والاستماع إليهم بعمق، والعمل على تقوية أواصر العلاقات بين الجانبين الشعبيين، والتباحث الجاد والمكاشفة الصريحة للوصول بالعلاقات إلى أفضل حال ممكن.
بعبارة أكثر وضوحا: أرجو وضع استراتيجية كُبرى للاهتمام بتلك الدول الإسلامية، لا على المستوى الحكومي، بل على المستوى الشعبي، والاستفادة مما لدى المملكة من قوة ناعمة هائلة غير مستثمرة حتى اللحظة.
من المقترحات العملية تشكيل فريق شعبي متنوع يضم نخبا فكرية ورموزا مجتمعية ليضطلع بهذه المهمة، بحيث يسهم مثقفو المملكة من كُتاب رأي ومفكرين وأعضاء بمجلس الشورى -على سبيل المثال لا الحصر- في ترميم العلاقات وتوطيدها مع الشعوب والنخب في الدول المختلفة، ويأخذون على عاتقهم، مثلا، وضع جدولة بزيارة 10 دول إسلامية سنويا. وإذا ما تحقق ذلك فإن هذه الوفود ستزور خلال 5 أو 6 سنوات على أقصى حد جميع أو معظم الدول الإسلامية. على سبيل المثال يبدأ هذا الوفد الشعبي بسلسلة زيارات للدول الإسلامية في إفريقيا، ويُتبع ذلك بزيارة لدول آسيا الوسطى، فجولة أخرى تشمل دول شرق آسيا، ورابعة للدول العربية، وهكذا.
وبعد كل جولة يُكتب تقرير مفصل عن الزيارة، يحتوي على تفاصيل اللقاءات والمباحثات ووجهات نظر مثقفي ونخب الدول التي شملتها الزيارة ومقترحاتهم حيال توثيق العلاقات وتوطيدها، وتُقدم مقترحات للعمل على مكامن الخلل إن وجدت، ومن ثم يُرفع هذا التقرير إلى الجهات ذات الاختصاص بالمملكة. بذلك يُسهم المجتمع في تقديم صورة أوضح وأشمل لتطلعات الشعوب الإسلامية تجاه المملكة العربية السعودية، ومن ثم يجري العمل دبلوماسيا وسياسيا على تقوية الإيجابيات وتعزيزها وتقويم السلبيات وتصححيها.
إن المكانة التي تحظى بها السعودية في قلوب المسلمين تحتاج إلى دوافع لتظهر على السطح، وهذا -في رأيي- لا يتحقق إلا عبر الدبلوماسية الشعبية التي تعمل على إبراز مواقف المملكة تجاه القضايا ذات الاهتمام المشتركة، وتبدد محاولات تشويه الصورة والمفاهيم المغلوطة والصور النمطية غير الدقيقة، وتُظهر الصورة الحقيقية للمملكة حكومة وشعبا، الأمر الذي يعود بالنفع على الجانبين وتبرز نتائجه سريعا، بإذن الله.