مضى 67 عاماً على تأسيس منظمة حلف شمال الأطلسي المعروفة اختصاراً باسم حلف الناتو. التي تمثلت ضرورة وجودها الرئيسة في توحّد القوات السوفياتية في دول شرق أوروبا، وشعور دول غرب أوروبا بقرب هجوم سوفياتي عليها، فتعاونت مع الولايات المتحدة وتم تكوين الحلف. وتحديد أهدافه في التالي: حماية دول العالم بشكل عام والدول الأعضاء فيه بشكل خاص، وحفظ الأمن والاستقرار، ومحاربة التهديدات الأمنية. وعندما تأسس الناتو كان يضم 12 دولة ثم توسع ليضم عام 1999 عددا من الدول الأعضاء في حلف وارسو الذي انهار بسقوط الاتحاد السوفياتي، وأصبح عدد الدول الأعضاء اليوم 28 دولة. ولا شك أن الثقل الأميركي في كفة ميزان القوة داخل الناتو قد عرضه لهزات متكررة هددت بانقسامه، أبرزها انسحاب فرنسا بزعامة شارل ديغول منه عام 1966 اعتراضا على رفض الحلف آنذاك لطرح فرنسي لمشروع قيادة ثلاثية للناتو تتقاسمها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة بالتساوي في محاولة للخروج بالأطلسي من قبضة أميركية تغيب دورا أوروبيا بارزا فيه. وفي عام 2009 قرر الرئيس الفرنسي ساركوزي عودة فرنسا لقيادة حلف الناتو.
وكانت اليونان قد سحبت قواتها من حلف الناتو من عام 1974 حتى عام 1980 بسبب التوترات اليونانية التركية.
ومن أهم الحملات العسكرية التي شنها حلف شمال الأطلسي كانت في البوسنة عام 1995، كما قام الناتو بضربات جوية عنيفة على يوغسلافيا إبان الصراع في كوسوفو عام 1999، وفي أفغانستان وليبيا.
وقد أطلق الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب عبارة الناتو مؤسسة عفا عليها الزمن، وهدد خلال حملته الانتخابية بالانسحاب من تحالفات واشنطن في أوروبا، أي الناتو، ما لم تنفق أوروبا ما يكفي على الدفاع. بينما كان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد اعتبر الناتو أنجح التحالفات في التاريخ الحديث، لأن القاعدة الأساسية للناتو كانت أن أمن أوروبا هو نفسه أمن الولايات المتحدة الأميركية.
وحاول أوباما في خطاب له في اليونان، محطته الأولى ضمن آخر جولة له في أوروبا تهدئة مخاوف الحلفاء الأوروبيين وأعضاء حلف شمال الأطلسي إزاء مستقبل العلاقات في عهد خلفه الرئيس المنتخب دونالد ترمب.
وعلقت وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين على تهديدات ترمب بقولها إنه على الرئيس المنتخب دونالد ترامب أن يوضح موقفه من روسيا ويفهم أنه يجب التعامل مع حلف شمال الأطلسي كتحالف يقوم على القيم المشتركة وليس مشروعا تجاريا. وعلى دونالد ترمب أن يحدد بوضوح في أي جانب هو. هل هو في جانب القانون والسلام والديمقراطية أم أنه لا يعبأ بكل ذلك ويتطلع إلى صديق وثيق (الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) . ودعت إلى اقتناص الفرصة، قائلة: على أوروبا أن تتحمل مزيداً من المسؤولية.
ودعا وزير الدفاع البريطاني، مايكل فالون لزيادة الإنفاق. فيما قال جان كلود يونكر، رئيس الاتحاد الأوروبي: إن لم تهتم أوروبا بأمنها، فلن يحميها أحد. واقترحت المفوضية الأوروبية تخصيص صندوق بقيمة خمسة مليارات يورو، تستطيع الدول الأعضاء السحب منه لإجراء أبحاث وتمويل عمليات تسلح.
ويعد الاقتراح بمثابة تعهد واضح بدعم القدرات العسكرية لدول الاتحاد الأوروبي، وخاصة بعدما أشارت المفوضية إلى أن الاتحاد الأوروبي خفض حجم نفقاته الدفاعية قرابة ?12 خلال العقد الأخير. واليوم ينفق الاتحاد الأوروبي نحو 200 مليار يورو، على الدفاع العام، بما يعادل ثلث إجمالي الإنفاق العسكري الأميركي.
ورأى جوزيف جوف، محرر صحيفة دي زيت الألمانية الأسبوعية، وزميل في معهد هوفر التابع لجامعة ستانفورد، في مقالته الأخيرة في مجلة فورين أفيرز الأميركية، أن مجرد التفكير بتخلي أميركا عن المشاركة في حماية أمن أوروبا، يعد حماقة كبرى. وتخلي أميركا عن الناتو سيكون بمثابة كارثة لا لأوروبا، بل سيعني أن تعزل أميركا نفسها داخل قلعة.
ولفت جوف إلى أنه بعدما قلص الرئيس الحالي أوباما عدد القوات الأميركية المتمركزة في أوروبا إلى 30 ألف جندي، صار خطراً الحديث عن انسحاب أميركي من أوروبا.
وثمة مخاوف من خروج المملكة المتحدة من حلف الناتو، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. وأيضاً مخاوف من خروج تركيا من الحلف الناتو، الذي أصدر مؤخراً بيانا عاجلا حول هذه القضية. بعد الانتهاء من الاجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب اردوغان. ومحاولة إدماج تركيا في عمليات التكامل الأوراسي واحتمال انضمامها في المستقبل إلى منظمة شنغهاي للتعاون.
ومن غير الممكن أن تكون تركيا عضوا في منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة حلف شمال الأطلسي في نفس الوقت. المنظمتان تنظران لبعضهما البعض من منظار العداوة.
إن النزاع الإقليمي بين اليونان وتركيا في بحر إيجة ودعم تركيا لشمال قبرص شكل عاملا تقليديا لسوء العلاقات بين تركيا ودول الناتو الأوروبية التي لا تنظر لأنقرة كحليف موضع ترحيب. ودول الناتو تدعم الأكراد في سوريا بل واستخدمت قاعدة إنجرليك الجوية لدعم وحدات حماية الشعب الكردية.
وهناك أدلة على تورط الناتو في محاولة الانقلاب، حيث كان أعضاء سلاح الجو التركي من أنشط المشاركين. واتهم الجنرال الأميركي جون كامبل، القائد السابق لجماعات منظمة حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، من قبل وسائل الإعلام التابعة التركية بأنه من المنظمين الرئيسيين للانقلاب. وتعد العلاقات بين روسيا والغرب في أسوأ حالاتها، منذ انتهاء الحرب الباردة. فقد فرضت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا، عقب ضمها لشبه جزيرة القرم، التي كانت تابعة لدولة أوكرانيا، وذلك في عام 2014. كما أصبحت سوريا أيضا سببا من أسباب التوتر بين الجانبين، حيث تتهم دول غربية موسكو بارتكاب جرائم حرب، خلال قصفها للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة.
ورغم ذلك، يعتقد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي الناتو، ينس ستولتنبرغ إن الحلف لا يرغب في مواجهة مع روسيا، ولا في حرب باردة جديدة. وخطط لنشر 4 آلاف جندي إضافي في أوروبا الشرقية مدعومة بقوة الرد السريع في الحلف، والبالغ قوامها 40 ألف عسكري وبقوات متابعة أخرى يمكن أن تنتقل إلى دول البلطيق وبولندا، على أساس دوري إن تطلب الأمر وذلك تأهبا لأي صراع قد ينشأ. تهدف لمنع اندلاع نزاع، وليس إثارته. وعلى الرغم من التوترات الحالية، إلا أن الحلف العسكري لا يرى روسيا باعتبارها تهديدا.
قد تشكل قوة الرد السريع الأوروبية النواة الرئيسة لجيش أوروبي موحد، يدافع عن البيت الأوروبي الموحد، ويستجيب لتداعيات انسحاب الولايات المتحدة وغيرها من الدول غير الأوروبية من حلف استثمرته واشنطن في خدمة أمنها القومي ومصالحها الحيوية أولاً، وتالياً لخدمة بعض حلفائها الأوروبيين وغير الأوروبيين، وذلك ضمن عملية توسيع وتمدد الحلف شرقاً التي لم تتطلبها ضرورات أوروبية المنشأ.