في صباح جميل بأحد مقاهي مدينة الرياض، طلبنا قهوتنا المعتادة وبدأنا نسولف رغم أن نصف سواليفنا مكررة، إلا أننا لا نشبع ولا نمل منها.
هذا المقهى يطل على مواقف السيارات، فتأملت سيارتي العتيقة وسألت صديقي وقلت: عبدالعزيز هل تعتقد أن نوع سيارتي قد يؤثر على علاقتي بك؟ ابتسم وقال: طبعا لا.
بعيدا عن هذا المشهد، المجتمع أحيانا يفرض عليك قيما لا تؤمن بها ويجعلها أهم أولوياتك.
لو كان لدى كل أصدقائك سيارات فارهة، فسيكون الحصول على سيارة فارهة أحد أهم أولوياتك، بغض النظر عن وضعك المادي. ولو كان كل صديقاتها يملكن ساعة روليكس فسيكون الحصول على رولكسة هو أهم أولوياتها بغض النظر عن وضعها المادي.
لا شك أن كل منا يريد لنفسه الأفضل، كل شخص منا يتمنى اقتناء شيء يحبه. ولكن عندما تتحول هذه الرغبة إلى هوس من أجل مجاراة الآخرين، هنا يكمن الخلل.
في الآونة الأخيرة، تحولنا إلى مجتمع مادي تسيطر عليه المظاهر والشكليات بطريقة متوحشة. عندما تحب شخصا فأنت لا ترى شكله ولا ساعته الثمينة ولا سيارته الفارهة، كل هذه الشكليات تسقط أمام شخصه.
عفوا، لا تسئ فهمي، من حقك أن تستمتع بحياتك وتقتني ما تحب، ولكنك لست مجبرا على مسايرة الآخرين والعبث بأولوياتك من أجل مجاراتهم فيما يحبون ويقتنون.
سأختم بقصة قصيرة حصلت لي قبل أسابيع: دعاني صديقي للعشاء في منزله، ولم تكن زوجته موجودة. يقول: عندما عادت زوجتي سألتني: أي الأواني استخدمت لتقديم العشاء؟ فقال لها: الأواني التي نستخدمها دائما. فشعرت زوجته بالحرج وقالت هذه ليست للضيوف! لماذا لم تستخدم أواني الضيوف؟
عندما قابلته ذكر لي ما حصل فقلت لصديقي: تطمّن يا أبا عبدالله، والله إني لا أتذكر شكل الأواني، ولا حتى لونها! ولكني أتذكر جيدا كل أحاديثنا الممتعة في ذلك المساء الجميل.