سيكون موعدنا بعد شهر أو أقل من الشهر.
سنحتفل بك يا أبي، والحقيقة أنني لا أدري كيف سيكون الاحتفال؟
أتخيله مشهدا للأبطال يذهب لسجلات التاريخ.. سيحضر الكثير من الناس تلك المناسبة ولا شك. ضيوف أكارم على شرفك، أصدقاء وأناس عرفوك بطلا وإن لم يروك.. في العاشرة من عمري كنت إلى جوارك، كنت تراجع ذات ليلة مادة الدين لطفلك. ليلتها قلت لي إن من يُقتل في سبيل الله قد نال الشهادة، وعندما سألتك ما معنى الشهادة؟ أجبتني أن الشهيد ذلك الشخص الذي ضحى بحياته من أجل رفع كلمة الله.
ما أقسى الذكريات يا قلمي.
سنحضر أنا وأخوتي، حتى جدتي تقول إنها رغم الألم ستحضر من أجلك وألمح في عينها دمعة غالية كبريق الماسة أو كقطر من الندى على أهداب شابت من الزمن.
أبي إذاً أنت من الشهداء كما علمني الدرس.
إذا لن أبكي.. فهناك صغيرة ما زالت تناديك بين حين وآخر، إنها قطعة من روحك الطاهرة تذكرنا بك في كل وقت.
سنحضر من أجلك يا أبي، لا أعرف ماذا ينوي الآخرون فعله. سيكون لكل شخص طريقته في نثر دموع وابتسامات الذكرى. بالنسبة لي، سأقف أمام صورتك وسأحمل في يدي بندقية، وسأرفع علم وطني أمام أمي وأخوتي وجدتي حتى يروك في عيوني، وسأفاخر بك الأزمان أمام الصحب والرفاق.
ستبكي صغيرتك وجدتي وأمي.. الجميع سيبكي وكأنك غادرت للتو.
أمي رأيتها بالأمس في مشهد مهيب يليق بمناسبة يوم ذكراك، رأيتها من خلف خمارها تجفف دمع قلبها بمنديلها.
وها هو المنادي بنداء الكرامة يرفع صوته فوق صوت الرعد الجنوبي مجبرا الجميع على الإنصات.
فوق فوق هام السحب يا أغلى وطن.. عندها كان قلبي يخفق بشدة كخفقان علمي الأخضر السامق في سماوات المجد، إنه النداء للوطن وللدين وللأرض، أرض الحرمين وطني.