يظل الفساد الإداري والمالي الآفة التي تقوض كل جهود التنمية والخطط المستقبلية التي تعدها الدول والحكومات في سبيل تطوير الموارد الاقتصادية، ومواجهة التحديات الإقليمية التي يمر بها العالم أجمع خلال السنوات الأخيرة، وهو ما دفع بقيادة مملكتنا لإطلاق رؤيتها 2030 التي يؤمل عليها الغالبية العظمى من أبناء الوطن لدفع عجلة الاقتصاد بصورة غير مسبوقة في المنطقة.
وتظل الإجراءات الروتينية المناطة بالجهات المختصة بمكافحة الفساد عقبة رئيسية في سبيل الحد من تنامي الفساد في مؤسسات الدولة، وكل ما نسمعه عن أخبار الهيئة ونشاطاتها لا يلبي الطموحات والآمال التي علقها الجميع منذ الإعلان عن تأسيسها، بعيدا عن بعض الأعمال الصغيرة التي يطالعنا بها المسؤولون هناك بين فترة وأخرى.
لا أحد منا يستطيع إنكار انتشار آفة الفساد والفاسدين في مختلف القطاعات، والسؤال البديهي ماذا قدمت الهيئة تجاه حيتان المشاريع الذين يسرحون ويمرحون دون رقيب أو حسيب؟ كثيرة هي المشاريع العملاقة التي تبنتها الدولة وسخرت لأجلها الكثير من مقدرات البلد في مختلف مناطق المملكة، بيد أن غض الطرف من قبل الجهات الرقابية –المفترض بها مكافحة الفساد- عن تلك الفئة الفاسدة، سهل من مهامهم وجعلهم يتمادون في فسادهم وتدعيم جذورهم في مختلف مؤسسات الدولة.
المشاريع المتعثرة كثيرة، والمشاريع التي صاحبها الغش في التنفيذ أكثر، ولو تطرقنا على سبيل المثال لمشاريع المقاولات لوجدنا القدرة الإلهية تكشف لنا تلك الجماعات في مواسم الأمطار التي تمر بها المملكة، وتكشف لنا سوء التنفيذ في الكثير من مشاريع الطرقات التي حولتها الأمطار إلى حفريات متناثرة في الغالبية العظمى من مناطق المملكة، على الرغم من أن متوسط هطول هذه الأمطار لم يتعد الأسبوع إلى عشرة أيام، فكيف إذا ما استمرت طوال العام أو طوال الموسم كما في الدول المجاورة؟
الحقيقة التي يجب أن يواجه بها مسؤولو هيئة مكافحة الفساد أنفسهم أن هناك قصورا كبيرا في آلية العمل، وأهم أوجه هذا القصور عدم امتلاك الهيئة سلطتي التشهير والبت في القضايا، وهما من صلب مهامها، كما هو الحال في الكثير من البلدان التي تمتلك ذات المؤسسة الخاصة بالرقابة على الفساد والمفسدين.
إن بقاء الهيئة بوضعها الحالي ما هو إلا نوع من أنواع هدر موارد الدولة، لأن الهيئة إن بقي عملها كما هو منذ سنوات فإنها ربما تعطي الضوء الأخضر للفاسدين بعدم أدائها واجباتها، وأعتقد جازما أن على الجهات العليا دورا كبيرا في تقوية ومراقبة وإعطاء الصلاحيات المطلقة لهذا الجهاز الذي من شأنه حال أداء دوره إصلاح العديد من الأمور الإدارية والتنموية للوطن والمواطن.
الشواهد كثيرة فيما أقول وآخرها قضية فساد أحد الوزراء المتهم بتوظيف ابنه بطريقة غير نظامية ومخالفة للقوانين واللوائح، ومع الأيام بدأت القضية في الذوبان في بحر إجراءات وتشريعات الهيئة التي ستحيلها إلى سراب مع الوقت.
لا يمكن للفاسد أن يجمل وجهه أمام المجتمع فكيف بنا أن نقوم بتلك المهمة عبر إجراءاتنا –الروتينية- التي لا تتوافق مع الفساد القبيح الذي يقترفه البعض بحق الدولة والمجتمع في آن واحد، في الوقت الذي تشدد فيه الدول المتقدمة العقاب على هذه الفئة أيا كانت مكانة أو منصب أفرادها.
تابعنا منذ فترة في إحدى الدول الأوروبية وزراء ومسؤولين حكوميين يلقى بهم في الأرصفة وأماكن النفايات تعزيرا على جرائم الفساد التي أدينوا بها، فيما مفسدونا يلقون بعامة الشعب وبالقوانين عرض الحائط، ويسرحون ويمرحون في هذه الأرض الطيبة والطيب أهلها بحجة القوانين والثغرات التي وفرتها لهم المؤسسات الرقابية.
لن يستقيم الحال إلا بإجراءات مشددة تجندل رؤوس الفساد، وتجتث جذورهم صغارا كانوا أو كبارا، والحديث هنا أعني به كذلك صغار المسؤولين في الأجهزة الإدارية الذين يمارسون فسادا مصغرا بالتسهيلات والعمولات وخلافه من الإجراءات التي تجعلهم في صف واحد مع حيتان المشاريع الكبرى، ولو فتشنا عنهم في أروقة مؤسسات الدولة لوجدنا منهم الكثير.
ختاما كيف نطالب نزاهة بالمحاسبة والشفافية وهي من رفضت نشر تقريرها السنوي!