تصريحات بعض المسؤولين والمتحدثين الرسميين تعيد كل يوم سرد هذه الحكاية بطريقة جديدة تفتقد الحبكة!

شاء القدر أن يتورط الفلّاح القروي بجارٍ من الثقلاء -هكذا تقول الحكاية- فكان هذا الجار يتفنن في استفزاز جاره بطلبات وأسئلة تدّعي اللطف واللباقة، لكن حقيقتها غاية في الحمق والبلاهة، وكأنها أسئلة الإعلاميين الرياضيين (هذا مما قلته ولم تقله الحكاية)، فكان هذا الثقيل يوقظ جاره في منتصف الليل ليطلب منه غرضا من المحتمل أن يحتاجه بعد الغد! وقد يطرأ ببال الثقيل سؤال عن عمر جاره، فيبادر لإيقاظه ليسأل عن عمره كي يحسب الفارق بينهما، وكان هذا الجار كصدر شماليّ يسمع بقطار اسمه قطار الشمال، لكنه لا يمر بأي مدينة شمالية! يجيب الجار عن أسئلة جاره الثقيل، ويتصنّع الدهشة عندما يخبره الثقيل بأن أغنية (نسّم علنا الهوى) من ألحان الفنان سلامة العبدالله!
في ذات صباح مُشرق سمع الجار صوت جاره الثقيل ينادي، بعد حوقلة من الجار وفاصل من (الحلطمة) قرر أن يضع حدا لبلاهة هذا الثقيل، وكأنه يعاقبه على اختياره وقتا غير مناسب، ثورة الرفض تدفعها تبريرات لكل سؤال محتمل تغلي في العروق، من خلف الباب الموارب أطل الجار برأسه كي لا يسمح للثقيل بالدخول، وقبل أن ينبس ببنت شفة (جميلة ينبس ببنت شفة أليس كذلك؟) تكلم الثقيل بأدب جم سائلا جاره أن يعطيه الرشا (الحبل الذي يجلب به الماء من البئر) كي يخرج ماء من بئره ويرجعه بعد دقائق فقط، جدية السؤال وأدب الثقيل لم يفلحا بإطفاء ثورة الجار الذي اندفعت من أقاصي روحه (لاء) قوية وكأن قائلها أستاذنا حمزة السالم، ليتردد صداها وكأنها اللاءات الثلاث العربية الشهيرة في قمة الخرطوم التي عرفت من بعد بهذا الاسم، فغر الثقيل فاه، لكنه لم يتخل عن ثقله ليسأل: ليه طيّب؟
برر الجار رفضه بسهولة: نحن الآن نضع إفطارنا ونستخدم (الرشا) في الإفطار! وما علاقة إفطاركم (بالرشا) هكذا تساءل الثقيل؟ فرد الجار بشفافية تحسده عليها نزاهة: عذر يا أخي أنت ما تفهم العذر؟!
المفترض الآن أن أضع نقطة أنيقة تُعلن نهاية المقال، وأترك للقارئ الاستمتاع بلعبة التخمين عن الداعي لهذه القصة، أو يحرر أجنحة خياله على من يشاء، لكنني لم أستطع مقاومة الرغبة في ممارسة دور الثقلاء، فتصريحات بعض المسؤولين والمتحدثين الرسميين تعيد كل يوم سرد هذه الحكاية بطريقة جديدة تفتقد الحبكة! وتخلط الأدوار فلا تدري هل التصريح للثقيل أم للجار، وكمثال بسيط ما نشرته أمانة المنطقة الشرقية عبر حسابها الرسمي في تويتر إذ غردت: (أمانة المنطقة الشرقية تعتزم تنفيذ حملة تفتيشية شاملة الأسبوع المقبل على مستودعات المواد الغذائية للتأكد من التزامها بالاشتراطات الصحية)، أحد الثقلاء استظرف معلقا على الخبر قائلا: (الأمانة تقول لأصحاب المستودعات ضبطوا وضعكم قبل نجي)، فنهرته بـ(لاء) حادة حازمة جازمة، وحذرته من الخوض بالنوايا، ففاجأني: إذن لمَ الإعلان؟
قلت: بالتأكيد الإعلان ضروري لأجل الأحوال الجوية المتقلبة، فعاود السؤال: هيه وما علاقة الأحول الجوية؟
أجبته: عذر يا أخي.. ما تفهم العذر؟