ضاقت به إيران ولم تتسع له فرنسا، ووجد أن العالم لا يتسع للأحرار أكثر مما يتسع للقتلة والظلاميين والكهنة وذوي السلطان. دراسته الابتدائية كانت في المدرسة العلمية في طهران سنة 1914، ومنها انتقل إلى دار الفنون هناك، والتي كانت تعتبر في وقتها من أحسن الأماكن للطلاب، بحيث يستطيع أن يذهب إليها، ولكن بسبب المرض الذي أصاب عينيه ترك دار الفنون وعمل في مكتبة إيران الوطنية، وذهب إلى مدرسة سان لوي الفرنسية في إيران. كان يدُرّس القس الموجود في المدرسة اللغة الفارسية، والقس كان يعلّمه الأدب العالمي. إنه الكاتب الإيراني المتمرد صادق هدايت كاتب رواية البومة العمياء التي قال عنها فيليب سوبو هذه الرواية لا تقبل النقاش، ولا يمكن أن تلخص، لأنها في حد ذاتها تلخيص لقدر الإنسان، وهي كذلك، فهي تمثل الإنسان المقهور بكل صوره. وهو الذي غادر إيران بعد أن استولى عليها التشدد والظلام، وغاب الإنسان، وامتلأت السجون بالأحرار، وعلقت المشانق: إنني كنتُ أعلم أن حياتي قد انتهت، وأنها تذوب بطريقة مؤلمة وببطء. أية علاقة تجعلني أفكر في حياة الحمقى والأوباش الذين كانوا في صحة جيدة، وكانوا يأكلون وينامون جيدا، ولم يكونوا قد أحسوا قط بذرة من آلامي، ولم ترفرف أجنحة الموت كل دقيقة على رؤوسهم ووجوههم. هكذا كان يقول صادق هدايت عن الحياة في إيران.
في رواية البومة العمياء لهدايت تمازج المعنوي والمادي والحسي، بحيث دفع بالرواية إلى الوقوف أمام كل رمزية لتفسير العلاقة المتبادلة بين الحياة والموت والمعنى واللامعنى لماهية الحياة الإنسانية. وعن وعيه بالموت الذي شاهده وانتهى إليه يقول كنت أحس أنه في مواجهة الموت كم يكون الدين والإيمان نوعا من العزاء للناس الأصحاء السعداء.. وفي مواجهة حقيقة الموت المخيفة والحالات المذيبة للروح التي اجتزتها، صار كل ما لقنوه لي بالنسبة للثواب والعقاب والروح خداعا لا طعم له، وأصبحت الأدعية التي لقنوها لي لا تجدي فتيلا في مواجهة الموت.
عاش مكتئباً ومات منتحراً، ومع كل هذا فقد استقبل هدايت الموت بأناقة وهدوء وابتسامة. توفي صادق هدايت منتحرا عام 1951، وقد عثر على جثته في نزل فرنسي صباح التاسع من أبريل. كان ممدداً على الأرض مرتديا بدلته وربطة عنقه، وبدا كأن ابتسامة ترقد على شفتيه، أما الغرفة التي وجد فيها فبدت نظيفة ومرتبة، كأنها مهيأة لاستقبال ضيوف، حيث أدار مفتاح الغاز وجلس في وداعه ينتظر الموت بصمت، وكأنما يؤكد على سؤاله الوجودي في رواية البومة العمياء بمعنى هل يستطيع إنسان -في يوم ما- أن يقف على أسرار هذه الاتفاقات الميتافيزيقية، هذا الانعكاس لظل الروح الذي يتجلى في حالة الإغماء والبرزخ بين النوم واليقظة.