على الذين يمانعون قيادة المرأة للسيارة بدعوى عدم جاهزية المجتمع أو الخوف على النساء من التحرش والمضايقة أن يدركوا أن هذه بضاعتهم ردت إليهم، وأن هؤلاء الشباب الذين يخافون منهم لم يأتوا إليهم من المريخ
صحيح أن قضية قيادة المرأة للسيارة ليست شيئا مهما، ولا تحتاج إلى كل هذا الضجيج والاجترار، لكن حتى نكون موضوعيين أكثر وأحكامنا عادلة فإنه يتوجب علينا أن نحدد بشكل واضح، من يتحمل مسؤولية هذا (اللت والعجن) في هذه القضية التافهة، هل هي الأسر المتضررة من قرار الممانعة؟ أم هم الممانعون لقيادة المرأة للسيارة بدعوى حماية الفضيلة؟ أم أن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة بتأخرها في حسم هذه القضية، والتزامها الحياد حيث لا يجب أن يكون هناك حياد؟.
في نظري أن هذا الملف بسيط ومن المعيب أن يشكل لنا أزمة وإحراجا أمام العالم، فنكون بذلك كتلك الشجرة الضخمة التي واجهت خلال عمرها المديد ضربات البرق والانهيارات الجليدية والعواصف فصمدت، لكنها حين واجهت جيشا من الخنافس التهم لحاءها وسواها بالأرض، فما من مؤتمر صحفي لوزير خارجيتنا اللامع عادل الجبير إلا وقوبل بهذا السؤال، لماذا لا تسمحون للمرأة بقيادة السيارة؟ وعلى الرغم من ذكاء الجبير وتميزه بالردود المسكتة على خصومه، إلا أنه أمام هذا السؤال يبدو مرتبكا حائرا لا يدري ما يقول، فهو يعرف أن الإجابة أسهل ما يمكن، ولا يرى مبررا لهذا المنع، لكنه في نفس الوقت مجبر على تبرير قرار الحكومة، على اعتبار أنه جزء منها وممثل لها، ونتيجة لهذا الصراع الداخلي بين ما يعتقد وما لا يريد الاعتراف به تأتي الإجابة باهتة وغير مقنعة، وأخشى أن يؤثر ذلك على جذبه وإقناعه في قضايا أخرى عادلة، فعندما سئل قبل أيام في مؤتمر صحفي من مبتعثة سعودية اسمها نجاح العتيبي عن قيادة المرأة للسيارة والإلقاء باللائمة على المجتمع في هذا الجانب، لم يجد بدا من الرجوع إلى أرشيف القوالب الجاهزة ولصق الإجابة التقليدية كما هي دون زيادة أو نقصان حيث قال: أعتقد أنها قضية اجتماعية فلا توجد قوانين في السعودية تمنع قيادة المرأة، وليست المشكلة في أن هذه الإجابة غير مقنعة فحسب، إنما المشكلة في أنها تصورنا بمظهر الشعب المتخلف غير القادر على مواكبة العصر والتعايش مع متطلباته، فيربكه استبدال الجمل بالسيارة! ونحن بذلك نعطي فرصة لأعدائنا في وصمنا بأي شيء، لأن شعبا لم ينجح في تربية أبنائه على احترام حقوق الآخرين في الشارع لن ينجح في ضبط سلوكياتهم فيما هو أصعب من ذلك، كاحترام التنوع والتعدد والاختلاف ومحاربة التطرف، ولأن تنظيم حياة الناس العامة لا يكون من خلال الأعراف والعادات والتقاليد، ولا من خلال المواعظ والخطب وحدها، إنما يتم ذلك بقوة القانون، فالتعليم الجيد مثلا يهذب سلوك الناس ويضبط تصرفاتهم، لكنه لا يمنعهم من الوقوع في الأخطاء بنفس الدرجة التي يفعلها القانون، ولهذا أُثِر عن الصحابي الجليل عثمان بن عفان – رضي الله عنه - أنه قال : يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
لا يجب على الحكومة أن تجامل الممانعين على حساب المجتمع والوطن، فالذين يرجعون المنع لأسباب مجتمعية إنما هم كالمستجير من الرمضاء بالنار، وهم يحملون السواد الأعظم من المجتمع أوزار فئة قليلة تريد فرض وصايتها على المجتمع، ولا تريد أن تخسر مكتسباتها، إذ تستمد قوتها من فرض هذه السيطرة، ومن خلال قبضتها الحديدية على المجتمع بتصوير أنه بدونها متجه إلى مستنقع الفساد والرذيلة، ومن المتناقضات أن الذين يحذرون المجتمع في حال قيادة المرأة للسيارة من ممارسات الشباب، ينسون أن هؤلاء الشباب من صنع أيديهم، بعد أن بسطوا سيطرتهم على حياة الناس العامة، إذ لم تكن تمر أبسط تفاصيل المجتمع الحياتية إلا من خلال بصمتهم، ولذلك فأي اتهام للمجتمع بعدم الجاهزية أو التمرد إنما هو اعتراف بتأثيرهم السلبي على قيم المجتمع وأعرافه وتقاليده، وكل ما يحذرون منه في حال السماح للمرأة بالقيادة إنما هو يدينهم ويفضحهم بما يستوجب التوقف والمساءلة، فمن غير المعقول أن يكون ذلك أمرا عاديا في كل دول العالم إلا في بلدنا، إننا لو تأملنا في أسباب الممانعة قليلا لعرفنا مقدار ما نسيء به لأنفسنا ونحن لا نشعر، وعلى الذين يمانعون قيادة المرأة للسيارة بدعوى عدم جاهزية المجتمع أو الخوف على النساء من التحرش والمضايقة أن يدركوا أن هذه بضاعتهم ردت إليهم، وأن هؤلاء الشباب الذين يخافون منهم لم يأتوا إليهم من المريخ، إنما هم نتاج تعليمهم وتربيتهم.
من يتابع لطميات البعض عند مناقشة هذه القضية، يشعر أن سماح الدولة للمرأة بقيادة السيارة معناه أن هناك من سيطرق عليهم أبوابهم ويلزمهم بذلك، مع أن الأمر ليس كذلك، ولعله يدخل في باب التيسير على الناس، فمن أراد وليها أن تقود فلتقد، ومن لم يرد فهذا من حقه، ولو كنت صانع قرار لحسمت هذه القضية في عبارة واحدة : الدولة تسمح بقيادة المرأة للسيارة، وعلى النساء الراغبات في القيادة أن يمارسن هذا الحق تحت حماية الدولة، كما تحترم الدولة خيار الباقين، والسلام.