غالبا ما ترفض المجتمعات صبغ هويتها بهوية أخرى دخيلة عليها، وهو شعور طبيعي لأي مجتمع يخاف على قيمه وعلى عاداته وتقاليده ودينه. ولكن يجب ألا نختزل التغريب بفكرة المؤامرة المسيطرة علينا!
حتى نفهم التغريب يجب أن نعي أن الحضارات القوية غالبا ما تفرض نفسها على الحضارات الأقل قوة. وهو سلوك طبيعي تنساق إليه المجتمعات التي ترى نفسها أقل أهمية من غيرها في محاولة لمحاكاة الحضارات الأقوى. البعض يعتقد أننا فقط من يعاني من التغريب رغم أن كل دول العالم تقريبا تأثرت بالأوربة أو بالتغريب، سواء في اللبس أو الأكل أو في أسلوب الحياة. إذا أخذنا اليابان كمثال فهي من أكثر الأمم اعتزازا بهويتها، ولكن لم يستطع اليابانيون إيقاف المد الثقافي الغربي من التوغل في مجتمعهم، فأصبحت المطاعم الغربية في كل مكان، واللبس الغربي هو الشائع، والرياضات والموسيقى الغربية هي الأكثر شعبية. ولو تأملنا التاريخ لوجدنا أن الحضارة العربية- الإسلامية كانت في يوم من الأيام هي التي تصدر ثقافتها للآخرين. الحروف العربية مثلا غزت كثيرا من البلاد، ففي باكستان مازالت اللغة الأردية تُكتب بحروف عربية، وفي تركيا أيضا استخدمت الحروف العربية لمئات السنين، بل إن الحضارة الفارسية رغم قدمها ما زالت إلى اليوم تستخدم حروفنا العربية في إيران. هذا عدا انتشار العمارة الإسلامية واللبس العربي وكثير من الكلمات والعادات العربية والإسلامية في كل مكان حتى في أوروبا نفسها. إذًا ما يسمى تغريب، سواء كنا ضده أو معه، هو ليس أمراً حديثا على الأمم. وفي التاريخ نجد كثيرا من الأمثلة على فرض ثقافة القوي على الضعيف مع اختلاف التسميات. ومن الحماقة أن نصف ما يحدث لنا بأنه مؤامرة استخباراتية ونحن وحدنا المستهدفون بها.