لنا أن نتساءل بعد انقضاء الإجازات عن معاناة المعلمين والمعلمات الذين يبذلون جهدا مضاعفا، من أجل إعادة الطلاب إلى وضعهم السابق على مستوى الحالة النفسية
لا أدري ما هي المكتسبات التي سيجنيها أبناؤنا الطلاب في كل المراحل الدراسية المختلفة، من إجازات منتصف الفصلين الدراسيين؟ ولا أدري ما جدوى أن يرتفع عدد الأسابيع الميتة في أيام التعليم من أسبوعين إلى أربعة أسابيع، بمعدل 3 أيام ميتة دماغيا من كل أسبوع لكل فترة توقف على الأقل، ليكون مجموعها 6 أيام ضائعة محتملة في الفصل الدراسي الأول، ومثلها في الفصل الدراسي الثاني، الذي تنطبق عليه نفس الحسبة تقريبا، ويمكن التأكد من ذلك بمسح بسيط تجريه الوزارة، من خلال استطلاع لبيانات عدد الطلاب الذين يحضرون للمدارس، والحصص التعليمية التي تنفذ في الأيام الثلاثة الأخيرة من هذه الأسابيع الميتة، والتي لا تتجاوز 4 حصص على مدار اليوم في أغلب المدارس للأسف، لينتج لنا أن أيام الدراسة (الفعلية) بدون الإجازات الأسبوعية تتم في 42 يوما فقط لكل نصف فصل، بدلا من 45 يوما! وليكون معدل الدراسة الكلية لنصف العام الدراسي 84 يوما بدلا من 90 يوما، ويكون معدل الدراسة الكلية للعام الدراسي كاملا 168 يوما، بدلا من 180 يوما، وهذا بالطبع مع إدراج 4 أسابيع اختبارات في الفصلين كأيام دراسة مكتملة، ويقابل ذلك 192 يوما من الإجازة للطلاب والمعلمين، بمعدل 6.4 أشهر من التوقف، وكل ذلك يحدث بسبب زيادة حضور ما تُسمى بالأسابيع الميتة، وهي التسمية الشائعة في أوساط المعلمين والمعلمات، والتي تعبث بانتظام الطلاب والمسيرة التعليمية، وتربك كل شيء تقريبا، فلماذا يحدث ذلك ولمصلحة من؟!
إذ في الوقت الذي تهدف فيه الدولة إلى الارتقاء بمخرجات التعليم إلى أقصى درجاته، وإكساب الطلاب مهارات التعلم بأكبر قدر ممكن، نجد أن هذا التقسيم الغريب يعود بالمسألة التعليمية والطلاب إلى نقطة البداية التي انطلقوا منها بمعدل 3 إلى 4 مرات في العام الواحد، وهو ما يؤثر سلبا على قدراتهم الاستيعابية للمناهج التعليمية، ولا يساعد على تكريس مفهوم التعليم الجاد الذي نبحث عنه جميعا، ولا يساعد على بناء تنمية بشرية مستدامة، تدفع بالعجلة إلى الأمام.
المشكلة في الواقع ليست في ضياع 12 أو 20 يوما، بل على ما هو أعمق وأكثر فداحة، وارتباطه بثبات وتركيز وتفاعل الطلاب في الدراسة، إذ لا تتوقف مساوئ هذه التوقفات عند حدود تعكير اندماج الطلاب مع المناهج والأجواء المدرسية وحسب، وإنما يذهب الأمر إلى صنع فجوات حقيقية في قدراتهم على الفهم والاستيعاب، لا يمكن معها صناعة ناتج تعليمي جيد لديهم، ولنا أن نتساءل عن معاناة المعلمين والمعلمات، الذين يبذلون جهدا مضاعفا، من أجل إعادة الطلاب إلى وضعهم السابق على مستوى الحالة النفسية والتركيز والتفاعل التي كانوا عليها قبل هذه التوقفات العجيبة، وهو ما لمسته من خلال حديثي مع بعض المعلمين والمعلمات، الذين أشاروا إلى ذلك صراحة.
وعطفا على ذلك كله، لن أتساءل بعد الآن عن سبب تراجع مخرجات التعليم، وندرة المواهب والنوابغ والقدرات، ولن أتساءل عن أسباب ضعف الطلاب في الإملاء مثلا، ولن أتساءل عن غياب بعض الموظفين الذين يأخذون إجازات بالتزامن مع فترات التوقف الدراسية الغريبة هذه، ويتركون مكاتبهم فارغة، مما يتسبب في تعطيل مصالح الناس والمراجعين، خلال هذه الفترة.
لكن التساؤل الملح الذي لم أجد له جوابا مقنعا حتى الآن، هو ما جدوى هذا التوقف، وما المكاسب والفوائد النوعية التي سوف يجنيها الطالب والمعلم والعملية التعليمية، وهل ستعود عليه بالنفع والفائدة، وهل أجريت دراسات خلصت إلى ضرورة تطبيق مثل هذه الإجازات التي تشبه الجُمل الاعتراضية في اللغة؟!
الغريب أنني أثناء بحثي عن بعض الأسباب، وجدت أن هيئة السياحة مهتمة بموضوع الإجازات الأربع، ومفردة لها مساحة على موقعها في صفحة كاملة بالتفصيل!