من فوائد الاستمتاع بالسخرية على المتلقي أنها تهون على الإنسان القلق والتوتر من المستقبل، وتبني جدارا عازلا بينه وبين مخاوفه من المستقبل بسرعة الضوء، وهذا بحده يكفي للاستمتاع بها

يبدو أن عدوى السخرية من كل شيء انتقلت إلينا من بعض العرب سابقا والغرب خاصة في مجال السخرية السياسية من رؤساء وسياسيين يواجهون بشكل مستمر بتهكم شبه منظم، منها ما أزعم أنه قد يشوه صورتهم أمام الناخبين، ويقصيهم عن فوز سياسي مستقبلا، وهي صناعة إعلامية محترفة غالبا.
مقارنة بسيطة بين فوز أوباما وفوز ترامب تقودنا إلى أن الأول كان انتصارا للتسامح ضد العنصرية، أما ترامب فيعيدنا إلى نقطة وصفها أحد الكتاب بالتطرف. من يدري فقد يصنع ترامب بوعيه الاقتصادي ما عجز عنه من قبله، وقد يخرج من البيت الأبيض خروجا أفضل من خروج أوباما الذي لم يكن ناجحا كما كان يعد بخطاباته المبرمجة بوعود ذهب كثير منها مع الريح، والدليل وصول الحزب الآخر وفشل حزبه.
فوز ترامب كان خسارة أيضا للنساء وحتى الرجال الذين صوتوا لهيلاري كلينتون لتكون أول رئيسة، وأظن أن من الرجال على مستوى العالم من ارتاح للهزيمة.. ومن النساء من كانت تستعد لصنع نوع من الحلوى تسميها (حلا الرئيسة)، لكن السخرية بخسارتها حلت محل الحلا، والتي يبدو أنها رفض مبطن لها عبر صناديق السخرية، فظهرت كما رأى معظمكم حزينة تندب حظها بمقطع مدبلج بصوت امرأة عربية، أو صورة لها ترتدي ثيابها متربعة على عرش الكآبة. ومثل هذه الصور التي وصلت مات عشرات غيرها لم ترق للذائقة الجمعية بالتأكيد. وللحق أصبحنا ننتظر بعض هذه الملح التي ترسم الابتسامة وربما الضحكة من خلال مفارقاتها أو حتى مرارتها!
السخرية لغة خطيرة جدا لو تم توظيفها بشكل ذكي، وأكثر الكتاب يمتازون بالجدية لكن الكاتب الساخر يفوقهم انتشارا لأنه يوجه رسالته بكلمات مركزة جدا ومضحكة ولو لم ينجح لما وصل. فالسخرية أشبه بالرسم الكاريكاتيري لا تحتاج كثيرا من جهد المتلقي لتصل إليه الفكرة على عكس الجادة التي قد ترهق الذهن وتستدعي التركيز باستمرار.
هل تذكرون المقال الساخر الذي رد به الكاتب خلف الحربي على حسن نصر الله الذي تدخل في شؤون المملكة، فكان الرد أنك عاجز عن التخلص من نفاياتك وتتدخل في شؤوننا، رد متهكم بني على مقارنة ساخرة وصادقة ولم يثر غضب الناس لأنه جاء من باب إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا، لكن عندما جابهت مغنية شهيرة ناقدا لها بنفس الكلام قامت الدنيا عليها ولم تقعد فالمقام غير المقام وبالتالي يجب أن يكون المقال مختلفا، واضطرت بعدها للاعتذار.
من فوائد الاستمتاع بالسخرية على المتلقي أنها تهون على الإنسان القلق والتوتر من المستقبل، وتبني جدارا عازلا بينه وبين مخاوفه من المستقبل بسرعة الضوء وهذا بحده يكفي للاستمتاع بها.
المزعج في الأسلوب الساخر أن يعتمده بعض الساخرين بشكل انتقامي لتقويض أناس من باب الغيرة أحيانا وحبا في الظهور أحيانا أخرى، فلا يجد حرجا من تقويض إبداع مبدع أو جهد أديب، وهنا تصبح السخرية غير أخلاقية، وتسقط بكاتبها كجلمود صخر حطه السيل من عل، وقد حدث هذا فعلا، فليس من النباهة التصدي لكل ما لم يعجبنا بالتهكم، بل يحسن أن نتجاوز عما يضر غيرنا، فلسنا في حرب ضد بعضنا كما في سخرية بعض الرجال من النساء والعكس غير صحيح أيضا! في السخرية يتضح أحيانا موقف المجتمع الرافض لتصريح غير مقبول، قد تجبر من صرح على التراجع.
بقي أمر أخير يلامسه بعض الواعين ويغيب عن كثر؛ وهو أن في السخرية أحيانا تهشيما لصور جميلة وقيم عظيمة، ودعوة أحيانا إلى الإحباط والتسليم غير الراضي بالواقع، وهنا يجب أن ننتبه إلى أثرها، ونمنع من مروره عبرنا إلى غيرنا.