هل كانت هناك ممارسة لتضليل الرأي العام من خلال استطلاعات الرأي والصحافة وشاشات القنوات؟ أم أن هناك تغييرا في الذهنية الأميركية وعدم مبالاتها بالإعلام والتحاليل وما تقدمه تلك الوسائل واتجه لوسائل أخرى؟
كنت أسير في أحد شوارع نيويورك في أغسطس من هذا العام وإذا بمتسول جالس جوار عمود كهربائي وبجانبه لوحة مكتوب عليها بخط اليد أعطني ($ دولارا) وإلا سأصوّت لترامب!. استوقفتني العبارة، وبدأت أتلمح نظرات الناس وتعابيرهم أثناء مرورهم ومشاهدتهم اللوحة. لم أرصد ردة فعل واحدة من العابرين، ربما لأن أغلبهم سواح فلا يعنيهم الأمر. بحثت عن صديقي في الجولة فوجدته مشغولا بالتبضع. عدت لنفسي وقلت لماذا لا ترصد ردة فعلك أنت؟. رجعت للمتسول وسولت لي نفسي تصوير لوحته مع أخذ الحيطة والحذر من ردة فعله. حقيقة، العبارة أوحت لي أمورا عديدة وقد يقرؤها كل أحد بطريقته. أشعرتني بأن ترامب لن يفوز بالانتخابات الأميركية البتة طالما هذا تفكير الإنسان الأميركي. ورغم اجتماع كمية المرح والدهشة في الجملة، فهي توحي بالتهديد غير المباشر. والتهديد لا يكون إلا بأمر مرعب، وكأن هذه الشخصية مرعبة للمتلقي سواء كان أميركيا أم أجنبيا.
على كل فقد طارت الطيور بأرزاقها وأصبحت أميركا في قبضة ترامب كما عنونت للخبر إحدى الصحف. الرئيس الجديد قد يتغير تفكيره عندما تنتهي الانتخابات ويصل للكرسي، علاوة على أن دولة بحجم أميركا لا يقودها شخص بمفرده بل جيش من صناع القرار وأبرزهم الكونغرس، دائرة المخابرات الأميركية، مجلس الأمن القومي، البنتاغون والعديد من المجالس الأخرى ومؤسسات بحثية كبرى.
الصدمة في فوز ترامب كانت بسبب أن الرجل غريب الأطوار وبعيد عن المجال السياسي وواجه عدم قبول لأفكاره لدى الشعب الأميركي، ثم إن استطلاعات الرأي ووكالات الأنباء تتحدث عن تقدم كبير لمنافسته هيلاري كلينتون.
السؤال هنا هل كانت هناك ممارسة لتضليل الرأي العام من خلال استطلاعات الرأي والصحافة وشاشات القنوات؟ أم أن هناك تغييرا في الذهنية الأميركية وعدم مبالاتها في الإعلام والتحاليل وما تقدمه تلك الوسائل واتجه لوسائل أخرى؟
هل فعلا سقطت إمبراطورية الإعلام الأميركي أمام الإعلام الجديد الذي ربما كان له التأثير الأكبر على الناخب الأميركي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي؟
لقد استمر الإعلام الأميركي يقدم نتائج تؤكد تقدم السيدة كلينتون لعدة أشهر حتى الليلة الأخيرة مدعمة بالدراسات والتحاليل ومراكز الأبحاث العريقة التي انساقت خلفها وسائل الإعلام الدولية ثم كانت الصدمة.
هل كانت تلك الدراسات والتحاليل والأبحاث عبارة عن تخرصات وأكاذيب بلا مستند حقيقي لغرض تحقيق مصالح معينة؟ أم أن القضية كانت في عدم فعالية ودقة تلك الاستطلاعات؟
في اليوم التالي لإعلان النتائج بفوز ترامب عمّت تظاهرات في عدة ولايات أميركية كان أبرزها في مانهاتن نيويورك منطلقة باتجاه برج ترامب الشهير حيث مقر دونالد ترامب، والأخرى أيضا أمام برج وفندق ترامب العالمي في شيكاغو، والذي يشبه برج خليفة في التصميم. اللافت للنظر هو ما قام به الأميركان من إشعال النيران في علم بلادهم خلال تلك المظاهرات احتجاجا ? على فوز دونالد ترامب?.
في المسلسل الكارتوني الأميركي الشهير (عائلة سيمبسون) بثت إحدى حلقاته سنة 2008 مشهدا تظهر فيه آلة تصويت متلاعب بها حيث يحاول (هومر) الشخصية الكارتونية التصويت لأوباما (لفترته الرئاسية الثانية) غير أن آلة التصويت كانت ترفض ويذهب الصوت تلقائيا لمنافسه، وبعد أربع سنوات من بث الحلقة حدث الأمر نفسه على أرض الواقع فقد وجدوا آلة تصويت في ولاية بنسيلفانيا تحول التصويت مباشرة من أوباما إلى منافسه السيد ميت رومني. كان ذلك سنة 2012، فهل يمكن أن يقول قائل إنه تم ابتكار آلة من هذا القبيل أكثر تطورا بحيث لا تظهر هذا الخطأ للناخب في الشاشة؟
إذا سلمنا بنزاهة النتائج، وقد شكك الرئيس المنتخب فيها بل وظهرت لقطة له وهو يختلس النظر إلى زوجته أثناء الإدلاء بصوتها، أقول إذا سلمنا بنزاهتها فهو ناقوس خطير جداً يُظهر أن وجهة نظر ترامب العنصرية تشكل رؤية أكثرية الناخبين، وبالتالي فإن تطبيق تلك الرؤية سينطلق وقد انطلق بالفعل منذ بدء تصريحات ترامب ضد الأقليات. يحكي أحد المبتعثين عن بداية نزعة ضد الأقليات ومنهم المسلمون بين طلاب المدارس في مدينته على مرأى من التربويين. وفي صبيحة فوز ترامب تناقلت الأخبار اعتداءات عنصرية كان منها ضد طالبة محجبة من قبل شابين من أنصار الرئيس المنتخب.
هل رفض الشعب الأميركي عنصرية ترامب ومن ثم صوت له؟ هذه نكسة للفكر الحضاري المتنور في أميركا.
ختاما يحسن القول بما قاله تعالى { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم }، ولكم فرح الناس بفوز باراك أوباما وكان ذلك شراً على المنطقة. وتبقى حسنة ظاهرة للرئيس ترامب وهي رغبته في التصدي للجماعات الإرهابية ومنها الإخوان المسلمين، كذلك اعتراضه على التعاون مع إيران ووصفها بالدولة المحتلة للعراق في لقاء بثته ان بي سي نيوز الأميركية مطلع سبتمبر 2016، وتحدث عن عدم موافقته على اتفاق نووي مع دولة تمول الإرهاب مثل إيران.