بخلاف غالبية التوقعات والتحليلات ونتائج استطلاعات الرأي العام التي رجحت فوز المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون بمنصب رئيس الولايات المتحدة الأميركية، فضل الناخبون الأميركيون أن يصبح دونالد ترامب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة.
ربما لم يكن تصويت أعضاء المجمع الانتخابي المكون من 538 عضواً، ترجمة لشعار يقول: لقد جربنا العاقل، فلنجرب الآن المجنون. أو رفضاً لحكم امرأة. فهدف الاستحقاق الرئاسي الأميركي لا يتمثل في أي حال من الأحوال في ضرورة تأنيث الرئاسة الأميركية، على غرار ما حدث في عدد من الدول وعلى نحو خاص في دول أميركا اللاتينية، أو عولمة حكم النساء والعودة إلى العصر الأمومي حسب تعبير فريدريك إنجلز، أو عصر النساء الحاكمات والسلطانات المنسيات حسب ما عرضته فاطمة المرنيسي في كتابيها المهمين. بل يبين السجل التاريخي لإنجازات المرأة الأميركية أن تغيراً وتطوراً عددياً حصل في تمثيل النساء في أجهزة الحكم الرئيسة، وتسلم امرأة مهام منصب رئيس الجمهورية الأميركية سيكون أمراً مهماً من الناحية الرمزية الشكلية. أما من الناحية الجوهرية فلن يحدث هذا الأمر تغييراً دراماتيكياً في السياسات التي تتبعها الإدارات الأميركية على المستويين الداخلي والخارجي.
فعلى مستوى السياسة الخارجية شغلت كل من: مادلين أولبرايت وكونداليسا رايس وهيلاري كلنتون منصب وزير خارجية الولايات المتحدة، ولم يكن أداؤهن مميزاً أو مختلفاً عن أداء نظرائهن من الرجال الذين شغلوا المنصب نفسه.
يتمثل الدافع الرئيس إلى انتخاب دونالد ترامب في شخصية ترامب الشعبوية التي تضعه في منزلة موسوليني الأميركي وليس برليسكوني أميركا، ولكونه يعبر عن اتجاه مكارثي انعزالي. وهنا يشير تحليل معهد لوي للسياسة الدولية إلى ما يلي: (تشكل رؤية ترامب العالمية، التي يسميها الآن أميركا أولاً مزيجاً مثالياً من السياسة الداخلية والخارجية. ويعتقد ترامب أن الولايات المتحدة أصبحت تشهد تراجعاً حاداً بسبب أنشطتها على الساحة العالمية، ولا سيما دعمها للحلفاء. ويعتقد أن النظام الدولي الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة خذل الأميركيين. ويريد ترامب من الآخرين بذل المزيد من الجهد ودفع المزيد من المال. كما يريد من الولايات المتحدة أن تركز على مجموعة ضيقة جداً من المصالح الوطنية، بدلاً من المفاهيم الأوسع للنظام الليبرالي الذي شكل إستراتيجية الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.
وهناك ثلاثة عناصر لنظرة ترامب العالمية. العنصر الأول هو معتقداته الأساسية، وهي بالتحديد: معارضة ترتيبات التحالف الأميركية؛ ودعم نظام اقتصادي عالمي ذي نزعة تجارية محضة، ودعم الأنظمة الاستبدادية والسلطوية، وروسيا بشكل خاص. والعنصر الثاني هو الوعود الكبرى التي قطعها في الحملة الانتخابية، التي يسبق بعضها الحملة ببضع سنوات، والتي ظل ثابتاً إزاءها بشكل عام. وأخيراً، هناك القضايا الأخرى التي يعرض حيالها مواقف متناقضة، بما في ذلك الصين والانتشار النووي.
ولعل الدرس المهم من الانتخابات الرئاسية الأميركية هو ضرورة وضع نهاية لخرافة لا فرق لأسباب تقتضيها ضرورات تجنب العدمية السياسية، لكن الأمر الأكثر فائدة هو الحكمة والكفاءة في التعامل بعقلانية مع التداعيات السياسية لنتائج الاستحقاق الرئاسي الأميركي على المشهد الشرق أوسطي. والتي قد تتمثل في الانتقال من مرحلة التدخلات العسكرية إلى فرض مفهوم باكس أمريكانا Pax Americana، أي سيادة السلام والاستقرار في ظل إمبراطورية أميركية - وهو تعبير يحاكي مصطلح (باكْس رومانا)Pax Romana الذي يعبر عن الفترة التي ساد فيها السلام والاستقرار في ظل الإمبراطورية الرومانية- أي أن بوكس أمريكانا Pox Americana، محاكاة لتعبير باكس أمريكانا. وتعني هذه المحاكاة السّفلس الأميركي -المرض المعروف- وفق ما قاله المفكران السياسيان الأميركيان هاري ماجدوف وبول سويزي، في مقالة نشراها سنة 1991 وجاء فيها يبدو أن الولايات المتحدة قد ألزمت نفسها بمسار ينطوي على أخطر النتائج على العالم كله. إن التغير هو القانون الوحيد المؤكد في الكون. ولا يمكن وقفه.
ويبدو أن التغيير الأميركي بنسخته الترامبية سيشكل انقلاباً على الصيغة الأوبامية، ورفضاً لتعهد هيلاري كلنتون بتعديل السياسة الخارجية الأميركية في اتجاه ما يمكن أن يطلق عليه الإقليمية الجيوسياسية geopolitical regionalism، حيث تعاود الولايات المتحدة الانخراط مع حلفائها التقليديين، وتسعى إلى تعزيز النُظم الإقليمية في شرق آسيا، وأوروبا، والشرق الأوسط.