??المفكر والمؤرخ العراقي الكبير الدكتور علي الوردي المتوفى عام 5991 والذي عرف باعتداله وموضوعيته عاد في السنوات الأخير للواجهة، ليس في أوساط المثقفين فقط، بل بين الشباب والمهتمين والمتابعين للشأن الفكري والاجتماعي، وذلك مع بروز الحوارات في أروقة منصات التواصل الاجتماعي حتى اعتبر لدى البعض المنظر الأكثر واقعية لواقع العالم العربي الذي نعيشه اليوم بكل تقلباته الاجتماعية والسياسية.
مقولات الدكتور علي الوردي تذكرني كثيرا في دقتها في قراءة المستقبل بما سبق أن سطره الروائي البريطاني جورج أورويل في روايته 1984 رغم اختلاف مرجعيتهما، فالوردي قرأ التاريخ ورسم من خلاله الواقع الذي نعيشه اليوم، بينما أورويل قرأ حاضره وتخيل كروائي ما سيعيشه المستقبل الذي أصبح اليوم حاضرا.
يقول المفكر العراقي الكبير في الاختلاف ليس من العجب أن يختلف الناس في ميولهم وأذواقهم، لكن بالأحرى العجب أن يتخاصموا من أجل هذا الاختلاف. ويقول كذلك: يقال إن المقياس الذي نقيس به ثقافة شخص ما هو بمبلغ ما يتحمله هذا الشخص من آراء غيره المخالفة لرأيه. ويؤكد في قوله أنه كلما ازداد الإنسان غباوة ازداد يقينا بأنه أفضل من غيره في كل شيء.. فالمجتمع البشري لا يمكن توحيده على رأي واحد حتى لو جاء جبرائيل نفسه يقوده، فالتنازع البشري طبيعة اجتماعية لا مناص منها.
اليوم ونحن نعيش عالما يتنازع فيه الجميع مع الجميع نستذكر مقولات الوردي، لنكتشف أن هذا الإنسان الذي اعتقد أنه يملك الحقيقة ليس إلا وليد مجتمعه الذي لا يقبل الآخر، فهو مجتمع يتبع كتّابا لا يقرؤون وأنظمة لا تفهم إلا لغة القوة والهيمنة والتنمر باسم حماية بوتقة هلامية يحدد ماهيتها من يملك القوة، فيقول في هذا الصدد: مجتمعاتنا تحب هتلر وتقرأ بشغف سيرته وتتابع كل قصصه. وشبابنا جعلوه قدوة لهم رغم جرائمه، لأن هذه الأمة تحب القوي حتى لو كان ظالما، وتكره الضعيف حتى لو كان عادلا. وعليه فلا عجب أن يكون صدام وابن لادن وملالي إيران هم من يجذبون مجموعة من أرواح هائمة.
نسي المجتمع أن الإنسان الفقير إذا جاع لا يكاد يفهم الحقيقة إلا على شكل رغيف، ولكن هل هو رغيف الأرض أو رغيف جنان زينت لهم!