صاحب التفسير الجديد هو من يعيش في زمنك ويعرف ما يناسبك وليس السلف آحادهم أو مجموعهم، وهو من لديه القدرة على إنزال النص على واقعك أكثر من السلف

لا أبالغ إذا قلت إن هناك فوبيا التجديد الفقهي أو الديني وأعني بها أن يعلم الشخص الذي تلقى تفسيرا أو حكما فقهيا جديدا صحة هذا القول ووجاهته ولكنه لا يستطيع تبنيه أو العمل به أو إعلانه، فهذا الموقف منه كأي فوبيا ضد شيء ما، حيث يعتقد الشخص بعدم وجود الخطر ولكنه لا يستطيع التقدم إليه، وهناك من يعلم صحته ويحاربه وهؤلاء هم دعاة الجهل والجمود، ولو حاولنا البحث في سبب هذه الفوبيا فسنجد أن الإرجاف حول فكرة الثبات والثوابت هو ما تسبب بها، مع أن هذا الثبات لا يعني عدم تغيير التفسير أو الحكم الفقهي وإنما عدم تغيير مضمونه الأصلي المتعالي الذي يريد النص الوصول إليه، وهذا هو الفرق بين التفسير الصحيح الجديد والتفسير الباطني أو الطلسمي الذي يحول النص إلى رمز مشفر لا يعلمه إلا أشخاص محددون، أو التفسيرات القائمة على موت المؤلف التي تقرأ النص وفق مراد القارئ وليس مراد النص نفسه.
ولذا فالوسطية دائما مطلوبة في كل أمر بما في ذلك تفسير القرآن، فلا يتجه المفسر لهذه التفسيرات الغنوصية أو المعتسفة أحيانا وإن كانت مسايرة للعصر، ولا يتجه أيضا للتفسير الحرفي الظاهري السطحي الذي ينم عن شل حركة النص بل تعطيله، ولو نظرنا لكافة البدع التي ظهرت عبر التاريخ فسنجد أنها نتجت من تفسير غنوصي أو تفسير حرفي ظاهري وليست من تأويل أو معنى مقبول.
إن إحداث تفسير جديد ضرورة لمن لديه القدرة على ذلك، وقبوله ضرورة لمن ليست لديه القدرة، فلا معنى لذلك السؤال القائل: هل نأخذ بقولك أم قول العلماء الأثبات ويقصد من قبله بمئات الأعوام؟ فالجواب بكل صراحة ووضوح هو: أن تأخذ بالتفسير الجديد وتترك تفسير السلف أو العلماء الأثبات، لأن صاحب التفسير الجديد هو من يعيش في زمنك ويعرف ما يناسبك وليس السلف آحادهم أو مجموعهم، وهو من لديه القدرة على إنزال النص على واقعك أكثر من السلف، أو إيجاد تفسير جديد يمكنك أن تعيش وتلتزم بالآية معه أكثر من السلف، شريطة أن يفعل ذلك منطلقا من العقل والإنسانية وواقع الحياة، وليس نتيجة قدرات خاصة به كما يحصل مع الولي الفقيه أو من يدعي الإلهام، فالقرآن يتماهى مع واقع الناس ولا يتماهى مع أفهام الرموز الدينية، وإذا كانوا يقولون إن على كل شخص أن يتبع علماء مكانه -أي البلد الذي يعيش فيه- فلأن يتبع علماء زمانه من باب أولى، فالتغير في الزمان أكبر من التغير في المكان، بل إن نصف عالم في زمنه أولى من عالم جهبذ في غير زمنه.
فكيف يمنع أي مفسر في أي عصر من تجديد بل وتغيير تلك التفاسير القديمة، وما معنى تقديس البشر إلا جعل أقوالهم ثابتة في الزمان والمكان.