المشكلة ليست في التاريخ الهجري، فقد ظلت الدولة تتعامل به فيما مضى ولم يكن الاقتصاد يعاني من مشكلات، المشكلة الحقيقية لهذا التاريخ هي ارتباطه بالمواطن
` مثلما خرج علينا الوزراء الثلاثة في برنامج داود الشريان، خرجت هذه الثلاثية. من ذاك الخلط الذي لم نفهم منه شيئا ولم ندرك منه إلا أن المواطن السعودي هو سبب مشكلات بلاده المالية. جاءت هذه التواريخ الثلاثة لتزيد تخبطنا وتجعلنا ندور في حلقة لا نعرف لها بداية من نهاية؛ فأعيادنا ومناسباتنا الدينية بالتاريخ الهجري، ومعاملاتنا البنكية ومواعيد الطيران بالتاريخ الميلادي، أما رواتبنا وأرزاقنا فبالأبراج السماوية.
قد يكون اختيار الأبراج أنسب شيء لوصف حال رواتبنا ومعاشاتنا، لا لحسابها وتحديد مواعيد صرفها، وكأن من جاء بالفكرة -متوافقة مع قرار حذف البدلات- شاعر أراد أن يجعل البدلات والرواتب مشبها، والأبراج (التي ارتبطت بالتنجيم والغيبيات في ثقافتنا) مشبها به.
في الواقع لست أدري أي تاريخ من الثلاثة يجب علينا أن نحفظ اليوم، وأيها أقرب إلى النسيان؛ لكن الراجح أن التاريخ الهجري هو ضحية تلك الفكرة؛ فحين يغدو تاريخا للمناسبات الدينية فسوف نتوقف عن حسابه تاركين الأمر للرؤية والتحري، وهما وظيفتان لا نقوم بهما على أي حال.
أما الراتب (وسيلة عيشنا) فهو ما يخصنا، وما دام القائمون على الاقتصاد قد قرروا ربطه بالأبراج، هكذا بدون سابق إنذار، فلا عجب أن نعنى به عناية كبيرة، فنذهب عبر عشرات النكات والطرائف إلى تقسيم حظوظنا من رواتبنا على أبراج السماء؛ فراتب الجدي جريء، وراتب الجوزاء نكبة، وراتب الحوت لطيف، وراتب السرطان قل...
لكن السؤال الذي يطرح الآن على صاحب هذه الفكرة الطريفة هو: ما المبرر الاقتصادي الخطير الذي دفع دولة بحجم المملكة إلى التفكير في صرف رواتب موظفيها (فقط) بالأبراج؟
يقول بعض المستنتجين البسطاء إن الغاية من ذلك هو توفير مبالغ من رواتب الموظفين لخزينة الدولة، وهنا يكون السؤال الأكثر طرافة وألما في الوقت ذاته: ألم تكن البدلات المحذوفة كافية لتوفير هذا الفائض الذي تحتاجه الدولة؟
نحن المواطنين البسطاء أوفياء للغاية، ولا أذكر أنا وقفنا أبدا ضد إدارة الدولة للاقتصاد، ولا طالبنا بما هو أكثر مما نحصل عليه بجهدنا وعرقنا، لكننا اليوم نتألم من تجاهل ظروفنا الاقتصادية من خلال قرارات غايتها أن تؤكد ما أكده ضيوف داود الشريان من أننا سبب مشكلات الدولة وعجزها المالي. نحن فقط، لا الوزراء، ولا الاقتصاديون الجهابذة، ولا المستشارون الذين يخططون ويرسمون، نحن فقط الذين نستلم رواتبنا في تاريخ محدد من الشهر لنقضي بها ديونا والتزامات وحقوقا وواجبات.
المشكلة إذا ليست في التاريخ الهجري، فقد ظلت الدولة تتعامل به فيما مضى ولم يكن الاقتصاد يعاني من مشكلات ولا من عجز حاد، المشكلة الحقيقية لهذا التاريخ هي ارتباطه بالمواطن، حين كتبت به شهادة ميلاده، وما دام المواطن هو المشكلة التي تعرقل الاقتصاد فلا بد من حسم لكل متعلقاته، بما فيها ذاك التاريخ!