نوفمبر 1990 وبعد هياج المنابر في طول البلاد وعرضها، كان ثلاثة مراهقين يتجولون في مدينة أبها، وهو ما كان يحدث في السعودية كلها، يقفون عند إشارات المرور، يوزعون أشرطة كاسيت مليئة بالصراخ والتكفير والتحريض على قتل 47 سيدة سعودية، وقبل علامة الضوء الأخضر ستكون ست سيارات على الأقل، قد فتح سائقوها نوافذهم وأخذوا الكاسيت بامتنان، حدث هذا عند ميدان القصبة، وآخر عند إشارة العقبة، بل وحدث أيضا عند إشارة السودة، الأكثر مهابة، كتسجيل اختراق مضاعف، وأحيانا على مرأى ومسمع من المرور. وفي الواقع أن سيدات ذلك الوقت تعرضن لما هو أكثر بكثير من صراخ المجانين، هل كان هذا صدفة؟.
سيدات أخريات ذهبن في الاحترام الكبير عالميا، مثل غادة المطيري وثريا عبيد وحياة سندي، وغيرهن، نساء أخريات عانين الكثير في طريق استرجاع المرأة لشيء من مكانتها، واللقطة أنه بعد ستة وعشرين عاما تظهر طفلة في محطة شهيرة، لتعلّم المجتمع، والنساء تحديدا، الفروقات ما بين الحرية والتحرر والحقوق، وأنه لم يخدم البلد أحد كما فعلت، وكانت قبلها بأيام قد ظهرت شابة تقيم في الخارج، في قناة ما، تتحدث عن مطالبات بنات جنسها المشروعة بتعديل أنظمة الولاية وإجراءاتها، بما يضمن لهنّ حياة أكثر عدلا، باستخفاف وسخف.
في الواقع هناك لقطات أكثر وأعمق إثارة للشعور بالمهزلة التي يربيها الوقت، بمعونة الإعلام، والرعايات المعتبرة. محللون يتحدثون عن حروب ونزاعات لا يعرفون عن طبيعة واقعها ومكوناتها شيئا، كتابات كثيرة بوجهين، في ظل فوارق زمنية لا تكاد تذكر، شخصيات تقف على رأس ما يمسّ لقمة الناس ومصير بلادهم ومستقبل أطفالهم، ويأتون بالعجائب، والحاصل أنه كلما تقدمت الأيام كلما تكشفت تلك اللقطات. يخفف فداحتها أشياء عدة، أولها أنها لقطات يتوقعها الجميع، يقولونها فيما بينهم، في مجالسهم ومشاويرهم، ثانيا أن هذه الهوائل المتتالية ينسي بعضها بعضا، وما يتجلى به أحدهم في الليل تزيد عليه عبقريات الآخر في النهار، وثالثها تنامي الحس الساخر باطراد مع كل لقطة، وهو أمر طبيعي أن يحل الضحك محل الغضب، أن تصبح النكتة والسخرية وسيلة دفاع ورد اعتبار، وهذا هو ما يحدث بالعادة، لكنه لا يداوي أبدا حرقة النقمة.
أذكر بعبارة الزميل خلف الحربي، البارعة والساخرة والحارقة معا، في عكاظ قبل أيام: أصعب شيء في العالم أن تنام بشعور السعودي الذي يملك أكبر احتياطي نفطي في العالم، وتصحو بشعور اليوناني، الذي غرقت مؤسساته في بحر الإفلاس، ومعه حق، هذا شيء صعب جدا.