المكون الأساسي للإبداع هو البيئة، أيّا كان هذا الإبداع، وعلى أي شكل كانت هذه البيئة سواء تعايشية أو تفاعلية مقروءة، مشاهدة، مسموعة كقنوات الإعلام.
الانسجام التام بين الشخص وبين هذا المكون الإبداعي وحده، هو ما يخلق فرصة للانطلاق، ويحدد وجهة المبدع.
في أحد الأعياد التي كنا فيها على صلة وثيقة بالحياة والفرح، في اليوم الرابع أو الخامس، صحوت صباحا وارتديت فستان العيد الطويل، بل الأطول من أحلامي، بعد أن كلفتني أمي أن أسوق الضأن، بمعنى أخرجها لأطراف القرية لترعى، ولم يبق على بدء البث التلفزيوني سوى وقت قصير، أنجزت المهمة سريعا، وكنت أركض خلف الضأن، حتى وصلت إلى الجهة المطلوبة، وأثناء عودتي كنت أركض بسرعة أعلى، تعثرت في فستاني الطويل، وضربت بساعدي الأيسر على صخرة حادة، كانت تعترض الطريق، كسرت يدي، وعدت أركض وأبكي من شدة الألم، دخلت لأمي وأنا أتألم وأبكي، ولكن بدأ فيلم الكرتون سنان، رفضت الذهاب للمستشفى، كنت أفضل مشاهدة الفيلم، لكن لسوء حظي أن المجبّر كان قريبا من بيتنا، أحضره أبي، بدأ يجبّر يدي وأنا أشاهد سنان، وخرجت من مشاهدتي تلك بفوائد أظن أن كل أبناء جيلي خرجوا بها، إضافة إلى القيم الاجتماعية والإنسانية: الحب، التسامح، الصدق العطاء، الإيثار، إضافة إلى هذا كانت هذه الكائنات الورقية المتحركة، جزءا مهما من حياتنا، بل الأهم، ربما لقلة المسليات حينها، وانفرادها بتملك عقولنا وتفاصيلنا حتى أصبحت رافدا أساسيا ومكونا للإبداع.
مواليد التسعينات الهجرية الذين عاصروا وشاهدوا أفلام الرسوم المتحركة القوية، والمسلسلات العربية المتنوعة، عاشوا العصر الذهبي، وبه بداية تشكيل الوعي المجتمعي وتنوع المصادر الملهمة، وثبات البيئة وهي العامل الأساسي للإبداع.
كتابة قصة، أو رسم لوحة، أو نظم أبيات، أو حتى استقلالية الشخص بمشاعره، ومحاولته أن تكون له مشاعر خاصة، وعالم خاص يعيشه، يسهر معه وبه وتكون شخصيته رقيقة شاعرية، متأثرة بكل هذا كمؤثرات، وغالبها على ضوء أفلام الرسوم المتحركة، على عكس الجيل الجديد، والقفزة الإعلامية في برامج الأطفال التي غاب عن برامجها التكوين الاجتماعي والإنساني، وجاء بديلا عنها برامج التكوين الجسدي الذاتي، التي تصب في فرد العضلات، واستحضار القوة بدلا من العاطفة، مبتعدة عن التوازن.
لذلك، نجد الإبداع أخذ منحنى آخر، ولا أقول انعدم، ولكن الإبداع الأدبي غاب وأخذ مكانه الإبداع العلمي الذي غابت عنه بعض أساسيات اللغة العربية، لنجد مسافات كبيرة بين الطفل والكتاب، وهذا محزن جدا أن أجد طفلا يجيد علوم الحاسب، ولغة أخرى، وألعاب القوى، ولا يستطيع كتابة سطر خال من الأخطاء في لغته ونحوه وإملائه.