عبدالوهاب مجثل

قبل 25 عاما تقريبا غادرت وللمرة الأولى إلى اليابان في رحلة سياحية قادما من فرانكفورت، مرورا بمدينة مومباي. وصلنا مطار ناريتا الدولي بطوكيو وانتهيت من إجراءات الجوازات المعتادة خلال لحظات. ووصلت حقيبتي، وعند الوصول إلى مفتش الجمرك فهمت -وبالإشارة طبعا- أنه يطلب مني معاينة المقتنيات التي أعلنت عنها في الإقرار الجمركي، وبعد معاينتها فهمت منه أنهم سيحتفظون بها وسوف يتم تسليمها لي عند المغادرة بموجب الإيصال الذي سلموه لي.. ولم تنفع معهم كل محاولاتي في السماح لي بالاحتفاظ بها. تسلموا مني تلك المقتنيات وسلموني إقرارا منهم بالاستلام (تسلمتها عند المغادرة دون أي متاعب).. أخذت حقيبتي وأنا في غاية القلق.. بحكم أن هذا يحدث لي وللمرة الأولى.
توجهت إلى مكاتب حجوزات الفنادق في المطار وتم الحجز لي في الفندق، ولكنهم طلبوا مني دفع مبلغ على الحساب، قدمت لهم بطاقة الائتمان الوحيدة التي كانت بحوزتي، ولكنهم لم يقبلوها وطلبوا أي بطاقة ائتمان أخرى أو الدفع نقدا، ناولتهم مبلغا بالريال يعادل المطلوب ولكنهم رفضوه.. وحتى يسهلوا المهمة لي أشاروا علي بالتوجه إلى جهاز صراف العملات، ولكني قررت (ويا ليتني لم أقرر) الذهاب إلى الفندق مباشرة. استأجرت سيارة أجرة.. ومن الطبيعي أن تكون لغة التفاهم مع السائق هي لغة الإشارة، ناولته ورقة فيها اسم الفندق.. انطلق السائق بالسيارة متوجها إلى الفندق.. وكان في الطريق يشرح لي عن كل ما يعتقد أنني في حاجة إلى معرفته.. رغم أنني لم أفهم منه شيئا عدا إشارته إلى ديزني لاند المشهورة في طوكيو. وصلت حوالي الساعة التاسعة مساء إلى الفندق الذي يبعد كثيرا عن المطار.. وكانت الصدمة حينما أفادوا بعدم وجود حجز مسبق.. وعن حجزي في المطار أفهمني موظف الاستقبال في الفندق أن الحجز غير مؤكد لأني لم أدفع أي مبلغ كدفعة مقدمة على الحساب ليتم تأكيده. لجأت إلى المدير المناوب الذي كان يتحدث معي وبأسلوب تهكمي ومستفز، مؤكدا أن الحضور إلى أي فندق دون حجز مسبق غير مضمون النتائج، وخصوصا في مواسم الأعياد الوطنية ورأس السنة الميلادية في طوكيو، والعثور على حجز لثلاث ليال يعتبر من الأمور النادرة في جميع الفنادق بكل مستوياتها. وحتى يثبت لي تعاطفه معي عثر لي على غرفة ولمدة 12 ساعة فقط، وبسعر خيالي بالنسبة لي، ورغم ذلك قبلت مضطرا.. لأني كنت مرهقا وفي حاجة إلى الراحة. شكرته وقدمت له البطاقة إياها فتغير أسلوبه و(انقلب صبيح جني ياباني)، وكان كل همي هو دفع أجرة السيارة والتخلص من السائق الذي كان الشرر يتطاير من عينيه، وفي النهاية تفاهم مع السائق الذي أوصلني إلى جهاز الصراف، وبما أنني لم أستخدم تلك البطاقة من قبل في سحب مبالغ نقدية فإنني قد وقعت في مشكلة أخرى، إذ إن الجهاز سحب البطاقة.. فتجمدت من المفاجأة، ومن الثلوج ومن عناء الرحلة وخوفي على أغراضي المحجوزة في جمارك المطار، ومن السائق الذي تبدلت لهجته وزادت عصبيته في حين كنت أعتقد أنه مسرور لأن عداد الأجرة يحسب وقائم بواجبه على ما يرام، ولكن اتضح لي لاحقا من مندوب البنك أن الأجرة لا تهم السائق، فالذي كان يهمه هو الذهاب إلى منزله لأن فترة عمله انتهت منذ ساعتين.
الشاهد أنني كنت في وضع لا أحسد عليه.. لمحت على جهاز الصراف رقما للطوارئ، وجاءني الفرج عندما سمعت صوت أحدهم على الطرف الثاني وبعد أن استفسر ذلك الشخص عن طلباتي وعدني بأن مندوبهم سيصل خلال نصف ساعة، وفعلا حضر المندوب ودفع لي المبلغ الذي طلبته واستخرج البطاقة من الجهاز وأعادها إليّ.. وبعد مخالصة السائق بأعلى مبلغ دفعته في حياتي لسيارة أجرة سألني مندوب البنك هل أحتاج شيئا آخر؟ فطلبت منه مساعدتي في العثور لي على حجز على أقرب رحلة إلى سول، وفعلا غادرت بعد ساعتين. وكل ما واجهته من متاعب ومشاكل وصعوبات في تلك الرحلة كان بالفعل نتيجة طبيعية لعدم التخطيط السليم للسفر وعمل الحجوزات اللازمة والاحتياط بأكثر من بطاقة وبمبالغ معقولة وبأكثر من عملة، وفي المقدمة عملة البلد المقصود. وعدم الاهتمام بمثل هذه الأمور قد يقود إلى نتائج غير سارة وغير محمودة العواقب. الغريب أنني عدت مرة أخرى إلى طوكيو بعد حوالي 5 سنوات ضمن وفد رسمي من مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية، وكانت تلك الرحلة من بين أجمل رحلاتي، وبالفعل اليابانيون لا يعرفون تكفون، هم يعرفون النظام فقط ويعملون به.. كل ذلك تذكرته وأنا أرى السعوديين الآن يحرصون على حجوزات السفر والفنادق والمطاعم والمستشفيات وزيارات الأطباء واستراحات الأفراح وغير ذلك.. لأنهم أيقنوا أن اتباع ذلك سيجنبهم الوقوع في متاعب هم في غنى عنها.