يعتقد ثلثا الأميركيين أن من المهم أن يكون لدى المرشح الرئاسي قناعات دينية قوية حتى إذا كانت تختلف عن معتقداتهم
ثمة من يصف الولايات المتحدة بالدولة العلمانية لأنها أول البلدان الغربية التي أزالت الطائفية عن نظامها السياسي وذلك في تعديل دستورها سنة 1791. لأنها جعلت التسامح الديني وضمانات الدستور الأميركي لحرية العبادة لدى الشعب الأميركي، لتتم ممارسة شعائر جميع ديانات العالم في الولايات المتحدة. وفي مقدمتها: المسيحية والإسلام واليهودية والبوذية والهندوسية. بيد أن إشكالية علاقة الديني بالسياسي تظل ملتبسة وحالة ومتجددة. وكان الرئيس توماس جيفرسون أول من أشار إلى جدار الفصل بين الدين والدولة في رسائله المتبادلة مع الرئيس جيمس ماديسون. ورغم أن هذين الرئيسين المؤسسين احتفظا بهذه الفكرة في التعديل الأول للدستور، الذي عدل عام 1791 فقد يستغرق الأمر سنوات أخرى طويلة قبل التوصل إلى أي نوع من الإجماع الوطني على الحدود الفاصلة بين الدين والدولة.
ولم يحدث أي تغيير حتى تمرير التعديل الخامس عشر، عام 1868 الذي أصبحت فيه حرية الدين حرية محمية فيدرالياً وأمكن تطبيق التعديل الأول في الولايات، ولم يحدث أي تغيير آخر حتى العام 1947 ويبدو أن كثيراً من الأميركيين لا يوافقون على أن الحكومة يجب أن تظل خارج هيمنة الدين، فالكثيرون يصنفون الولايات المتحدة على أنها دولة مسيحية ويستشهدون بعبارة أمة واحدة بأمر الرب الموجودة في قسم الولاء للدولة، وعبارة نثق في الرب المنقوشة على العملة الأميركية. كما اعتبر جورج بوش أكثر الرؤساء تديناً خلال عقود مضت.
ويتداول الأميركيون مصطلح الدين المدني الأميركي وهو مفهوم ذائع الانتشار يشير إلى النموذج الأميركي في علاقة الكنيسة والدولة، الذي يسمونه نموذج التعاون والمشاركة، نظراً لتعاون الكنيسة والدولة من أجل تحقيق الأهداف المشتركة بينهما على الرغم من كونهما مؤسستين متوازيتين ومستقلتين عن بعضهما البعض من الناحية المؤسسية. وبشكل عام وأبسط، وإذا كان أشهر من كتب عنه هو عالم الاجتماع روبرت بللاه في الستينات فنبه إليه عقول عامة الأميركان، فالدين المدني كلمة يقصد بها تجسد البعد الديني في مختلف النشاطات والممارسات العامة في الولايات المتحدة، وتظهر رموزه ومظاهره في عدد من الطقوس والعادات والأعياد الرسمية للأمة الأميركية مثل: استهلال الجلسات الحكومية بالصلاة، استحضار المشاعر والعادات الدينية في الأعياد القومية، الأغاني الوطنية مثل فليبارك الرب أميركا، بعض العبارات الدينية المكتوبة على العملة الأميركية، وبقاء مثل هذه العبارات يعني أن الدين المدني يعد نوعاً من الكنيسة الرسمية المرخصة في الولايات المتحدة.
وكان انتخاب المرشح الديمقراطي جون كينيدي أول رئيس أميركي كاثوليكي في الستينات قد أثار ردود فعل عنيفة من جانب الأغلبية البروتستانتية. وفي العام 2000 صوتت غالبية الناخبين الكاثوليك للمرشح الديمقراطي آل غور لكن بفارق طفيف بلغ ثلاث نقاط، عن بوش. لكن لم يثر انتماء جون كيري –وزير الخارجية الحالي- إلى الكنيسة الكاثوليكية أي رد فعل محدد في الحملة الانتخابية للعام 2004، وهذا لا يعني أن الدين لا أهمية له. لقد حدث جدل حول الديمقراطي جو ليبرمان الذي كان أول يهودي يتم ترشيحه من قبل أحد الحزبين الكبيرين في العام 2000.
ويعتقد ثلثا الأميركيين أن من المهم أن يكون لدى المرشح الرئاسي قناعات دينية قوية حتى إذا كانت تختلف عن معتقداتهم. ويقول وولتر روسيل ميد في مستهل مقالته المعنونة بـ بلد الرب بمجلة الشؤون الخارجية Foreign Affairs عن شهري سبتمبر/أكتوبر/ 2006، التي تُناقش أثر العامل الديني في السياسة الخارجية الأميركية، إن الدين عادة ما يلعب دوراً رئيسياً في السياسة والهوية والثقافة الأميركية، فالدين يُشكل شخصية الأمة ويساعدها في تشكيل أفكار الأميركيين عن العالم، وله تأثير على الوسائل التي يتجاوب بها الأميركيون تجاه الأحداث خارج حدودهم. ويُعلل الدين إحساس الأميركيين بأنفسهم كشعب مختار وإيمانهم بأن عليهم واجب نشر قيمهم في كافة أنحاء العالم.
وأكد الكاتب أن الفيلسوف جان بيثكي إيلشتين يرى أن فصل الكنيسة عن الدولة شيء وفصل الدين عن السياسة شيء آخر، فالدين والسياسة يضربان بجذورهما في المجتمع الأميركي منذ نشأته. ورأى جون وايت أن الفارق الكبير في الناخبين ليس بين البروتستانت والكاثوليك بل بين الذين يذهبون إلى القداس بانتظام والآخرين الذين لا يذهبون. فالأوائل محافظون أكثر في قضايا مثل زواج مثليي الجنس أو الإجهاض.
وتعتقد دانا لويش، مؤلفة كتاب Flyover Nation أنه: من العادي أو من الواجب أن نبحث في مدى تدين المرشحين، لأننا نريد أن نعرف معتقداتهم عن من سيحاسبهم، هل يؤمنون بوجود رب سيحاسبهم؟ هل يطلبون المغفرة؟ هل يتوبون؟ هذا ما أهتم بمعرفته.
إجمالاً، ثمة من ينفي إمكانية الجزم بأن الولايات المتحدة الأميركية دولة علمانية أو حتى دينية (بالمعنى الثيوقراطي)؛ بسبب اختلاط عالمي السياسة والدين فيها منذ ما قبل بداية تاريخها وحتى وقتنا الراهن. فعلى الرغم من مؤشرات علمانية الدولة الأميركية (مثل: عدم وجود كنيسة رسمية، وعدم تمويل المنظمات الدينية من أموال الضرائب) إلا أن الأمة الأميركية أمة دينية إذ يتغلغل الدين في المجتمع الأميركي.
ويبدو من رزمة الحقائق والسياسات الأميركية أن جدار الفصل بين الدين والدولة يبدو جداراً منخفضاً وهشاً قابلاً للإزالة عندما تقتضي ضرورات حماية المصالح الحيوية الأميركية في أي بقعة من العالم وعلى نحو خاص في الشرق الأوسط.