مساعد آل بخات

لا يختلف اثنان على أن الأسرة هي اللّبنة الأساسية في كل مجتمع، والذي منحها هذه الأهمية هو ما تقوم به الأسرة من التنشئة الاجتماعية للأطفال وإكسابهم قيماً أخلاقية وعادات وتقاليد المجتمع الذي تعيش فيه.
وبناء الأسرة يعد آية من آيات الله تعالى في هذا الكون، قال تعالى: (ومِن آياتِهِ أن خلق لكم مِن أنفسِكم أزواجًا لِتسكنوا إِليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً).
ولنا في قدوتنا محمد -صلى الله عليه وسلم- خير مثال على حسن التعامل مع الأسرة، فنجده صلى الله عليه وسلم يوصي قائلا: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)، وتارة يقول صلى الله عليه وسلم عن النساء: (استوصوا بالنساء خيراً).
وتارة أخرى يقبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، رضي الله عنهما، وينصح الأقرع بن حابس -رضي الله عنه- بأن يرحم الصغار قائلا له: (من لا يرحم لا يرحم).
إلا أننا في وقتنا الحالي نرى ونسمع بأن حالات العنف الأسري أخذت تتوسع بالانتشار في مجتمعنا السعودي، مما يجعلها تدق ناقوس الخطر، وتحثنا على أن ننبه بأن الأمر أصبح ظاهرة اجتماعية غير مرضية وتحتاج إلى حل.
وأقصد بالعنف الأسري هنا ممارسة القوة بطريقة متعمدة وغير شرعية من قبل فرد ضد فرد أو أكثر من أفراد أسرته، مما يؤدي إلى إلحاق الضرر بهم.
كما أن مشكلة العنف الأسري ليست مقتصرة على مجتمعنا السعودي فقط، بل إن جميع المجتمعات تعاني منها، فقد ورد في دراسة نشرت في كتاب (العنف تجاه المرأة) الصادر عن جمعية حقوق الإنسان أن النساء يتعرضن للعنف الأسري في كندا بنسبة 29%، وفي أميركا بنسبة 30%، وفي فرنسا بنسبة 51%، وفي جنوب أفريقيا بنسبة 20%، وفي المغرب بنسبة 61%.
ومن الخطأ أن نعتقد من يسبب العنف الأسري هو الرجل فقط، بل إن المرأة قد تكون هي سبب العنف الأسري وليس الرجل.
كما أنه من الخطأ أيضا أن نعتقد بأن العنف الأسري يقتصر على الإيذاء الجسدي كالضرب والحرق والصفع على الوجه ونحوها، بل إن هناك أنواعا أخرى من العنف الأسري كالإيذاء المعنوي من (تجريح بألفاظ بذيئة، والتهديد بالطلاق أو بالزواج من أخرى)، والإيذاء المالي (كأخذ المال بالإكراه من أحد أفراد الأسرة بغير وجه حق).
والحقيقة تقول إن من يقرأ في العنف الأسري يجد أن آثاره خطيرة وتوشك على أن تهد كيان المجتمع، فهي تضعف الثقة بالنفس لدى الأشخاص المتعرضين للعنف، كما ينتج عنها الفتور والضعف في العلاقة الأسرية، وإيجاد القسوة بدلا من الرحمة، مما تؤدي لاحقا إلى وقوع الطلاق ثم التفكك الأسري، والذي يقود إلى تفكك أجزاء المجتمع.
وعندما نسأل أنفسنا ما أسباب العنف الأسري؟
سنجد أنها تتلخص في عدة أمور، منها: (ضعف الوازع الديني – وحب التسلط على الغير – وكثرة الضغوط النفسية والمالية – والتأثر السلبي بما يعرض في وسائل الإعلام من أعمال العنف والإباحية – والتربية القاسية على الأطفال تنتج جيلا يحبذون العنف في التعامل الأسري – وبعض العادات الخاطئة عند البعض من التمييز بين الأولاد والبنات في المعاملة – والغيرة الزائدة عن حدها لتصل إلى مرحلة الشك – وتعاطي الكحول والمخدرات).
وبما أن المسؤولية مشتركة فإننا بحاجة إلى تكاتف جميع مؤسسات المجتمع للحد من العنف الأسري، والعمل على هذه المقترحات التي قد تساعد على الحد منه، وهي:
أولا/ تغيير الأفكار السلبية إلى أفكار إيجابية لكي يتغير السلوك إلى الأفضل.
ثانيا/ حسن اختيار القدوة، وخير قدوتنا هو محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (لقد كان لكم فِي رسولِ اللهِ أسوة حسنة).
ثالثا/ قبل الزواج.. ينبغي أن يتم اختيار الطرف الآخر بعناية، مع التركيز على الجانب (الديني والأخلاقي والتربوي)، لقوله تعالى: (وكان أبوهما صالِحًا فأراد ربّك أن يبلغا أشدهما ويستخرِجا كنزهما رحمةً من ربك).
رابعا/ بعد الزواج.. الابتعاد عن أي نقاش عندما تكون مرهقا بالأعمال اليومية أو بالضغوط النفسية، وتأجيله إلى وقت لاحق.
خامسا/ ينبغي مراعاة حقوق كل فرد في الأسرة كما نص الشرع بذلك، فللزوج حقوق، وللزوجة حقوق، وللأبناء حقوق.
سادسا/ تجنب كل ما قد يضر الأسرة من رفقاء السوء والمخدرات والكحول.
سابعا/ تعويد النفس على التحلي بالرفق واللين والرحمة والشفقة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه).