الحديث عن المسؤولية والشعور بها ليس بالأمر الهيّن، وليس كل أحد بوسعه أن يتحملها ويطيقها، فالله عز وجل ذكر في كتابه المحكم عِظمها وأهميتها فقال سبحانه: إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا. والأمانة من المسؤولية، والإنسان خلقه الله لعبادته، وليكون مسؤولا عن نفسه في سلوكها وتصرفاتها، وعن مجتمعه وأمته، ومن هم تحت ولايته. وحديثي هنا بالتحديد عن المسؤولية الذاتية للفرد، واستخدامه الإيجابي للفكر والعقل الذي وهبه الله إياه، بغض النظر عن العبادة التي هي الهدف الحقيقي من الخلق. فبعض الناس عندما تسأله عن هدفه في الحياة، وما طموحاته، وما حدود المسؤولية الملقاة على عاتقه، ربما لن تجد إجابة لسؤالك، أو أنه سيصمت طويلا قبل أن يجيبك بأنه يتوق إلى تحسين معيشته وتطوير ذاته.. الخ. وذلك بلا شك من أبسط حقوقه، وهو الحد الأدنى للشعور بالمسؤولية التي مردها ودافعها الرئيسي تقدير الذات.
فكلما زاد تقديرك لذاتك ارتقى فكرك، وزاد شعورك بالمسؤولية تجاه مجتمعك وأمتك، متجاوزا نفسك ورغباتها من كماليات واحتياجات ثانوية، وبذلك لن تلتفت إلى كل ما هو تافه وسلبي، فمن لا يستشعر أنه مسؤول ستجده سلبيا في نفسه وناشرا للسلبية، كما نلاحظه في مواقع التواصل على سبيل المثال. فالبعض تجده يتابع التافهين من المشاهير وغيرهم، ويضيع وقته في ذلك تابعا لهم في كل توجهاتهم، مغيبا بذلك دور العقل والفكر عن التدقيق والتمحيص والتمييز بين ما ينفعه ويضره، وبين كل غث وسمين، جاعلا نفسه أداة لنشر سلبيتهم –من رسائل وفيديوهات– والأدهى والأمر من ذلك لا يجعلها تتوقف عنده! وعندما تعاتبه على ذلك يرد عليك بأنك مُدعٍ للمثالية، وأنك لست في المدينة الفاضلة، وأن الشخص الفاسد لن نستطيع تقويمه مهما فعلنا، ولسنا مكلفين بالناس، وهناك من يقوم بهذه المهمة لنصحهم وتوجيههم من المؤثرين وأهل الاختصاص، كل في مجاله.. إلخ! وأقول ما هكذا تورد الإبل، فالوقت قد حان لننشر الإيجابية أنا وأنت -وكلنا مسؤولون- ونوقف السلبيين عند حدهم، ونكون يدا واحدة لردعهم عما يقومون به، ولنعلم بأنهم لم يتجرؤوا إلا عندما وجدوا أرضا خصبة لسلبيتهم، وعقولٍ قل تقديرها لذاتها، ولم تعد تشعر بمسؤوليتها. وكذلك على الوالدين والمربين تنبيه الأجيال إلى هذا الأمر، وإخبارهم أن هؤلاء السلبيين ليسوا بقدوة، وأن يدفعوهم بحب وحكمة تجاه الإيجابيين وكل ما هو إيجابي.