أبها: الوطن

حفل التراث العربي بأنواع شتى من التأليف، فلم يدع المؤلفون موضوعا لم يكتبوا فيه، فقد ألفوا في الموضوعات الجادة في دقائق العلوم والفنون ولم يغفلوا الموضوعات الطريفة، كما خصوا كل موضوع بتأليف، وكل مسألة بمصنف، وكل فن بكتاب أو رسالة، في جد أو هزل.

من قتل من الشعراء
يحمل كتاب أسماء المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام في باطنه ثلاث كتب اختص كل منها بموضوع معين، أما الأول فهو ذو شقين: أحدهما أسماء المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام والآخر أسماء من قتل من الشعراء، والكتاب الثاني كنى الشعراء ومن غلبت كنيته على اسمه، والثالث: كتاب ألقاب الشعراء. ومؤلف هذه الكتب محمد بن حبيب البغدادي، علامة بالأنساب والأخبار واللغة والشعر، توفي سنة 245هـ، من كتبه المشهورة: المحبر، والمنمق، وأمهات النبي صلى الله عليه وسلم، ومختلف القبائل ومختلفها، وغير ذلك.
أما الكتاب الأول وهو أسماء المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام فيضم قصصا عن أشهر المغتالين نحو جذيمة الأبرش، وحسان بن تبع، وعمليق ملك طسم، والأسود بن عفار، وعامر الضحيان، وعبدة بن مرارة، وزهير بن عبدشمس، والحارث بن كعب، وداود بن هبالة، وهمام بن مرة، جساس بن مرة، وخالد بن جعفر بن كلاب، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، والزبير بن العوام رضي الله عنه وغيرهم.
والمغتالون تعني الذين اغتيلوا أي لقوا مصرعهم بأيدي غيرهم على صور شتى من الطعن والضرب والخنق ودس السموم.

حسان بن تبع
خرج من اليمن سائرا حتى وطئ أرض العجم، وقال: لأبلغن من البلاد ما لم يبلغه أحد من التبابعة، فأوغل بهم في أراضي خراسان، ثم مضى إلى المغرب فبلغ رومة، وأقبل إلى العراق، حتى إذا صار إلى فرضة نُعم بشاطئ الفرات، قالت وجوه حمير: ما نفني أعمارنا إلا مع هذا، يطوف في الأرض كلها، نغيب عن أولادنا وعيالنا وبلادنا وأموالنا، وما ندري ما يخلف عليهم بعدنا، فكلموا أخاه عمرا وقالوا: كلم أخاك في الرجوع إلى بلده، فقال: هو أعسر من ذلك وأنكد. فقالوا: فاقتله وتملك علينا فأنت أحق وأعقل وأحسن نظرا لقومك، فقال: أخاف ألا تفعلوا، وأكون قد قتلت أخي وخرج الأمر من يدي، فوافقوه حتى اطمأن إلى قولهم، واجتمع الرؤساء كلهم معه على قتل أخيه إلا ذا رعين، فإنه خالفهم، وقال: ليس هذا برأي، يذهب الملك من حمير، فشجعه الباقون على قتل أخيه، فقال ذو رعين: إن قتلته باد ملكك، فلما رأي ذو رعين ما اجتمع عليه القوم أتاه بصحيفة مختومة فقال: يا عمرو إني مستودعك هذا الكتاب، فضعه عندك في مكان حريز، وكتب فيه:
ألا من يشتري سهرا بنوم
سعيد من يبيت قرير عين
فإن تك حمير غدرت وخانت
فمعذرة الإله لذي رعين
وإن عمر أتى حسان أخاه وهو نائم على فراشه فقتله، واستولى على ملكه، فلم يبارك له فيه، وسلط عليه السهر، وامتنع منه النوم، فسأل الكهان والعلماء فقال له كاهن منهم: إنه ما قتل رجل أخاه قط بغيانا عليه إلا امتنع نومه، فقال: هذا عمل رؤساء حمير، هم حملوني على قتله ليرجعوا إلى بلادهم، لم ينظروا لي ولا لأخي، فجعل يقتل من أشار بقتله رجلا رجلا، حتى خلص الأمر إلى ذي رعين، وأيقن بالشر، فقال ذو رعين: أما تعلم أني أعلمتك ما في قتله ونهيتك؟، قال: ما أذكر هذا، ولئن كان، ليس عندك إلا ما تدعي لقد طل دمك، فقال: إن عندك لي براءة وشاهدا، قال: ما هو؟ قال: الكتاب الذي استودعتك، فدعا بالكتاب فلم يجده، فقال ذو رعين: ذهب دمي على أخذي بالحزم فصرت كمن أشار بالخطأ، ثم سأل الملك أن ينعم في طلبه، فأتى به فقرأه، فإذا فيه التبيان اللذان كتبهما فلما قرأهما قال: لقد أخذت بالحزم فقال: إني حسبت ما رأيتك صنعت بأصحابي. وتشعث أمر حمير حين قتل أشرافها واختلفوا عليه.

خارجة بن حذافة العدوي
كان قاضي مصر، وكان له صلاح وصحبة، فخرج عمرو بن بكر التميمي الذي أراد قتل عمرو بن العاص، فوجد خارجة في مجلس عمرو بن العاص يعشي الناس، وقد كان عمرو شُغل تلك الليلة، فدنا منه وهو يظنه عمرا، وهو على سرير عمرو جالسا، فضربه من ورائه بالسيف على عاتقه، فأُخذ الرجل وخرج عمرو، وحُمل خارجة إلى منزله مثخنا، فأتاه عمرو، فقال له خارجة: والله ما أراد غيرك، فقال عمرو بن العاص: ولكن الله أراد خارجة.

الحسن بن علي رضي الله عنهما
قال عمير بن إسحاق: دخلت على الحسن بن علي رضي الله عنهما أنا ورجل، فقال لصاحبي: أي فلان، سلني، قال: ما أنا بسائلك شيئا، ثم قام من عندنا فدخل كنيفا له ثم خرج فقال: أي فلان، سلني قبل أن لا تسألني، فإني والله قد لفظت طائفة من كبدي، قلبتها بعود كان معي، وإني قد سُقيت السم مرارا فلم أسق مثل هذا قط، فسلني، قال: ما أنا بسائلك شيئا، يعافيك الله إن شاء الله.
ثم خرجنا فأتيته الغد وهو يسوق، وجاء الحسين فقعد عند رأسه، فقال: أي أخي نبئني من سقاك؟ فقال: لِمَ؟ لتقتله؟ قال: نعم، قال: ما أنا بمحدثك شيئا، إن يكن صاحبي الذي أظن، فالله أشد نقمة، وإلا فوالله لا يُقتل بي بريء.