كيف حافظ مجلس التعاون الخليجي على العمل العربي المشترك، وما هي التداعيات في حال عدم وجوده
يواجه الفكر العربي تحدّيات عظاما وغير مسبوقة تحتاج إلى تكامل فكري ومعرفي بين أهل المعرفة وكلّ بيوت الخبرة والبحث العلمي، من أجل مساعدة الفرد العربي في الحفاظ على توازنه وانتظامه داخل مؤسسات الاستقرار العربي، من الدولة الوطنية إلى التجمعات الإقليمية، كي تبقى هذه الكيانات صامدة في مواجهة تحدياتها الكبيرة. وربما يكون مجلس التعاون الخليجي هو المنظومة الأكثر أهمية الآن بالنسبة لكلّ من ينشد الاستقرار العربي والوطني والفكري والثقافي والاقتصادي والأمني.
تأسّس مجلس التّعاون الخليجي في 25 مايو 1981 وفي ظروف عربية بالغة الدقة. وقبل هذا التاريخ كانت المنطقة العربية قد شهدت تحوّلات صادمة وغير متوقعة، بدءاً باتفاقات كامب ديفيد عام 1978، والتي أدّت إلى خروج مصر من جامعة الدول العربية وانتقال مقر الجامعة إلى تونس، وكذلك نشوء جبهة الصمود والتّصدي بين كلّ من سورية والعراق والجزائر وليبيا واليمن الشمالي، ودخول العمل العربي المشترك في أزمة غير مسبوقة كادت تنهي هذه التجربة بشكل كارثي.
جاء تأسيس مجلس التعاون الخليجي بعد التّغييرات الكبرى في إيران عام 1978 أيضاً، وذلك مع سقوط نظام الشاه وقيام نظام ولاية الفقيه وشعاراته وتوجهاته نحو المنطقة وقضاياها، وأيضاً بشكل غير مسبوق، بالإضافة إلى عمليات الاستقطاب المتنوعة التي أربكت المجتمع العربي ومكوّناته السياسية والثقافية والإعلامية، دون أن تتأخّر نتائجها المباشرة، إذ اندلعت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران عام 1980 وما أحدثته هذه الحرب من تغيير بالأولويات العربية.
بعد تأسيس مجلس التعاون الخليجي جاء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 82 واحتلال أول عاصمة عربية، وخروج منظمة التحرير من بيروت والانتقال إلى تونس سياسياً. فكان لتأسيس مجلس التعاون الخليجي في مثل هذه الظروف الاستثنائية عظيم الأثر في الحفاظ على النظام العربي والجامعة العربية، بالإضافة إلى تفعيل عمل منظمة المؤتمر الإسلامي التي تأسّست عام 1969 عشية حريق المسجد الأقصى، فكانت دول مجلس التعاون الخليجي هي الرافعة الحقيقية لمنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية.
حفظ مجلس التعاون الخليجي الاستقرار في دول مجلس التعاون إبان الحرب الخليجية الأولى، وأبعد نيرانها عن هذه الدول بالتكافل والتعاون فيما بينها حتى انتهاء هذه الحرب عام 1989 عبر ما عُرف بالقرار الدولي 598 الذي أنهى الحرب العراقية الإيرانية، وقد كان من نتائجها قيام مجلس التعاون العربي بين العراق والأردن واليمن الشمالي ومصر بعد عودتها إلى الجامعة عام 1989 أيضاً.
واجه مجلس التعاون الخليجي في بداية التسعينات تداعيات غزو الكويت عام 1990، ثم حرب الخليج الثانية وعملية تحرير الكويت وعاصفة الصحراء عام 1991، مع ظهور انقسام عربي داخل الجامعة العربية العائدة حديثاً إلى مقرّها في القاهرة، ممّا أدّى إلى تعطّل العمل العربي المشترك كلياً بعد حرب الكويت، فبقي مجلس التعاون الخليجي القاطرة الوحيدة للنظام العربي. ثمّ جاءت تحدّيات عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، واتفاق أوسلو عام 93، ومن ثمّ عملية السلام الأردنية واتفاق وادي عربة عام 94، والنزاع اليمني اليمني عام 94 والحرب الإسرائيلية على لبنان عام 96.
بارك مجلس التعاون الخليجي الانتفاضة الفلسطينية عام 2000، وسعى إلى عقد أول قمّة عربية بعد احتلال الكويت، فكانت قمة محمد الدّرّة في القاهرة أوّل قمّة بعد 10 سنوات من الانقطاع. ثم كانت قمّة الأردن عام 2001، وإقرار القمة الدورية السنوية اقتداءً بنموذج مجلس التعاون الخليجي. ثمّ جاءت أحداث 11 سبتمبر وما تبعها من تداعيات، واحتلال أفغانستان 2001، ثمّ قمة بيروت 2002 والمبادرة العربية للسلام، وحرب الخليج الثالثة واحتلال العراق 2003 والتي لا تزال آثارها وتداعياتها حتى الآن.
واجه مجلس التعاون الخليجي الفشل الإنمائي الاجتماعي العربي بتنظيم القمم الاقتصادية الإنمائية الاجتماعية في الكويت 2009 وشرم الشيخ 2011 والسعودية 2013، والتي جاءت مواكبة لتطورات ما سمي بالربيع العربي 2011 وويلاته على معظم الدول العربية التي تحمّل مجلس التعاون الخليجي مآسيها وانهياراتها منذ 5 سنوات حتى الآن، من ليبيا إلى تونس إلى مصر إلى سورية إلى اليمن والعراق، والحديث يطول في هذا المجال.
لا أعتقد أنّنا بحاجة إلى التذكير بهذه التطورات لأنّها تلازمنا ليل نهار، إنّما ما أردت الإشارة إليه هو حجم التحدّيات التي واجهها مجلس التعاون الخليجي على مدى 35 عاماً، هذا بالإضافة إلى الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية لصناديق التنمية الخليجية.
يأتي هذا العرض المتواضع لبعض ظروف تأسيس مجلس التعاون الخليجي والتحديات التي واجهها على مدى 35 عاماً لكي نؤسّس للسؤال الأساسي، وهو: كيف حافظ مجلس التعاون الخليجي على العمل العربي المشترك، وما هي التداعيات في حال عدم وجوده؟ وهنا يأتي السؤال الثاني: كيف كنّا سنقارب هذه المسيرة المميّزة لمجلس التعاون الخليجي دون وجود مبادرة الأمير خالد الفيصل، رئيس مؤسسة الفكر العربي، والتي جعلت من الذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيس مجلس التعاون موضوعاً لمؤتمر فكر 15 القادم في أبوظبي كتجربة تكاملية عربية تستحق النقاش والتقدير؟