ليس من الإنصاف اتهام من يطالبون بحقوق مسلوبة وواجبات منقوصة بأنهم بعيدون عن الدين أو لا يُحكِّمون الدين في مطالبهم
الإخلال بواجبات الولاية وحقوقها نحو من تجب لهم الولاية؛ كان سببًا في ظهور مثل تلك الدعاوى والمناشدات من القاصرين وأصحاب الحقوق المسلوبة والواجبات المنقوصة، بل ومن يخاف أن يكون فريسة ذلك يوما ما. وإن سوء استخدام الولي لصلاحياته التي منحها الشرع له، نحو من تجب عليه ولايتهم بهدف تحقيق الأمن والاستقرار الاجتماعي، سواء كان هذا الولي أبا أم زوجا أم أخا أم ابنا، وما نجم عن ذلك من تقصير وإخلال في حفظ الحقوق وفي أداء الأمانة التي أودعها الله لهم فيمن ينضوون تحت ولايتهم؛ قد أخرج تلك الولاية عن مفهومها الذي وضعت من أجله وهدفها الذي بسببه شرعها الخالق جل وعلا؛ وهي الرعاية وكفالة الحقوق وتوفير الأمن والحماية من الاعتداء والتعدي بأنواعه؛ وغير ذلك من الأمور التي علم الله سبحانه وتعالى بأهميتها، وأن الخلق يحتاجونها لتؤمن لهم حياة مستقرة ومجتمع آمن من الفتن.
ومن معايشة ما يشهده مجتمعنا من تعديات وانتقاص للحقوق وتخلٍ عن الواجبات، فإننا نجد أن هناك الكثير من الحقوق الضائعة والواجبات المهضومة والهدر لمفهوم الولاية والسوء في استخدامها، فكم من أطفال تشردوا؟ وكم من أمهات وقفن على أبواب البيوت يشتكين الحاجة؟ وكم الأطفال أو النساء اللاتي حرمن من العلاج لأمور حساسة وهامة أثرت على مجرى حياتهن؟ وكم من الأفراد منعوا من السفر لأسباب مختلفة؟ وكم من الحقوق والممتلكات اعتدي عليها؟ وكم...؟ أليس ذلك كله كان بسبب سوء استخدام الولاية؟ ألا يولد ذلك سلوكا مضادا؟ خاصة في ظل عدم وجود جهة معنية تكفل سرعة إرجاع الحقوق وفرض الواجبات المهضومة وإلزام الولي بها.
أما المحاكم التي هي مصدر إحقاق الشرع وتنفيذه فإن مثل تلك القضايا تمكث فيها سنوات دون البت فيها، هذا إذا ما ناصرت الولي دون عناء البحث والاطلاع في التفاصيل، أما إذا حالف الحظ الطرف المظلوم ووجد النصرة له من الولي، فإن الحكم يتعثر في التنفيذ لعدم وجود جهة متابعة للتنفيذ، أو معاقبة في حالة عدم الالتزام بذلك.
وهنا لابد أن نتساءل، ما مصير هؤلاء الأطفال والأمهات الذين كانت نفقتهم واجبة على ولي أمرهم أبا أو زوجا أو أخا ولم يتكفل بها ولم يجدوا من يقف إلى جانبهم؟! ما هو مصير المريضة التي حطمها المرض وأثر على مجرى حياتها بسبب إهمال ولي الأمر أو رفضه العلاج لأسباب مختلفة؟! ما هو مستقبل من تطلبت ظروفه السفر سواء لغرض العلم أو لشأن آخر ينعكس إيجاباً على مجرى حياته بسبب منع ولي الأمر؟! ما مصير الأطفال الذين ترفض قبولهم المدارس لعدم توفر أوراق ثبوتية لديهم من ذلك الأب المفقود أو المتلاعب بمصيرهم؟! ما هو مصير الشباب والشابات الذين يرغبون في عمل، وتتاح لهم الفرص على ندرتها ولا يوافق ولي الأمر تنكيلاً بهم أو لغاية في نفسه؟! وما مصير هؤلاء الفتيات اللاتي ينتظرن الزواج ويحول أولياء أمورهن دون ذلك للاستفادة من مرتباتهن أو لأسباب مختلفة؟! وغير ذلك كثير.... وكنتيجة لجميع هذه الاختلالات ظهرت تلك الدعاوى التي لم يهدف داعموها حقيقة إلى التعدي على الدين ومبادئه ومضمونه، وإنما سوء استخدام الولاية بمفهومها الصحيح الذي شرعها الشرع من أجله؛ دفع بالكثير إلى تأييد هذا التوجه للمطالبة بالحقوق والواجبات التي منحهم إياها الدين وسلبهم إياها ولي أمرهم دون وجه حق؛ فكانت النتيجة المطالبة بإسقاط الولاية!.
ليس من الإنصاف اتهام من يطالبون بحقوق مسلوبة وواجبات منقوصة بأنهم بعيدون عن الدين أو لا يُحكِّمون الدين في مطالبهم؛ نحن في ظل مجتمع نشأ وتربى على الدين وتلقن تفاصيله التعليمية والسلوكية منذ الطفولة؛ وذلك يشمل كافة شرائح المجتمع وإن كان بنسب مختلفة؛ إلا أن الجميع كان ولا زال يستظل بمظلة الدين والشرع، أما أن تحكُمنا العادات والتقاليد ونطوعها لخدمة قيود نضعها باسم الدين؛ فإن ذلك أصبح من غير الممكن أو المقبول في زمن تعدى فيه التواصل حدودنا المعهودة قديما، وتدفقت فيه المعلومات من كل صوب؛ فالأحرى بنا أن نتعايش مع العصر بما يتلاءم مع متغيرات الزمن ومتطلباته الجديدة؛ وبما لا يخرجنا عن ديننا الذي نعتز به.