على وزارة التجارة فرض غرامات على التجار الذين يتاجرون بالوطن في يومه الوطني، ويتخذون من التخفيضات وسيلة لجمع أكبر عدد من الزبائن
مراجعة الأخطاء وأخذ الدروس منها سلوكيات راشدة يمارسها المجتمع الواعي باستمرار، فالخطأ طبع بشري، لكن تجاوزه هكذا دون تنبيه أو علاج قد يحوله من خطأ عارض إلى سلوك لازم، وهنا تكمن سوأة الأخطاء.
ما حصل أثناء الاحتفاء باليوم الوطني 1437 من أخطاء لا بد أن نراجعها ونبحث في أسبابها وفي علاجها أيضا. أقصد تحديدا ما تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي، وما التقطته الكاميرات من مظاهر الفوضى في مطاعم الوجبات السريعة المخفضة في ذاك اليوم.
ربما تساءل بعضكم مثلي، أين المكتبات عن هذه التخفيضات؛ فعلى الرغم من أن المواطن كان يستعد لبدء الموسم الدراسي، إلا أن المكتبات اختفت تماما عن عروض التخفيضات بمناسبة اليوم الوطني، في حين تتابعت الإعلانات الخاصة بتخفيض الوجبات السريعة في المطاعم، وتوالت الصور عن كعكات اليوم الوطني في محلات الحلويات. يحصل ذلك من الفريقين (مسوق الكتاب ومسوق الطعام) من أن القيمة المادية لبعض الكتب في المكتبات تقل أحيانا عن قيمة بعض الوجبات في مطاعم الوجبات السريعة (الراعي الأول لتخفيضات اليوم الوطني)، فما دلالة ذلك؟
لا شك أن رجل السوق (التاجر) يعرف الاتجاه الاستهلاكي للناس في كل بلد، ويفهم كيف يستفيد من هذا الاتجاه في تحقيق أرباحه، وحين يدرك أن قيمة الطعام في بعض البلدان تفوق قيمة الكتاب، فإنه يلجأ إلى تقديمه مخفضا لمدة محدودة (يوم واحد)، ولشريحة محدودة (الطلبات الداخلية)؛ ليـُحصّل بذلك أضعاف ما يحصّله عادة من الأرباح في اليوم الواحد.
السؤال الملحّ الآن هو، هل تليق مثل تلك الاحتفالات بالوطن؟! وهل يصح أن يختزل اليوم الوطني في كعكة ووجبة طعام؟ ولأن هذا- للأسف الشديد- هو ما يحصل واقعيا في احتفالات اليوم الوطني كل عام، فقد شُوهت كل المعاني العظيمة للمواطنة وللاعتزاز بالشخصية الوطنية؛ فظهرت صور التدافع والفوضى ومقاطع سرقة الطعام التي لا أظن أننا نرغب في أن يطّلع العالم المفتوح عليها، ولا أن يتعرف علينا من خلالها.
أعتقد أن وزارة التجارة الآن أمام مسؤولية كبيرة، وأنها يجب أن تفرض غرامات على التجار الذين يتاجرون بالوطن في يومه الوطني، ويتخذون من التخفيضات وسيلة لجمع أكبر عدد من الزبائن؛ غير مبالين بصورة الوطن في العالم، وغير مكترثين بالفوضى والزحام وما ينتج عنهما من مشكلات التدافع والدهس والمضاربات والسرقة، وغيرها من السلوكيات السيئة.
وفي المقابل لا بد أن نضع المكتبات العامة والخاصة أمام مسؤوليتها في تحفيز الناس على القراءة ودفعهم إلى اقتناء الكتب، وإلى استثمار استعدادات الأسر لهذا اليوم- كل عام- في نشر ثقافة الكتاب، وتحويل المواطن من مستهلك للطعام إلى مستهلك للمعرفة؛ لأن هذا ما يحتاجه الوطن فعلا، وهذا ما يرتقي بالإنسان فيه. أما التركيز على الطعام والمبالغة في التخفيضات فلا فائدة تذكر منهما إلا تحول مفاهيم الوطنية عند الأجيال القادمة إلى وجبات طعام مخفضة في تاريخ محدد من العام، وهذا خطير على الوعي الوطني.