الصين تعمل الكثير لكن بصمت، ونحن العرب نعمل القليل، لكن بكلامٍ كثير!
تعمل أمة الصين بهدوء مخيف، لم تتخذ من الكلام الكثير والخطب الرنانة منهجاً في نهضتها، تستقرّ وتزدهر بسرعة البرق، الأزمة المالية العالمية أعادت لها هيبة كانت تنتظرها منذ أزمان، والبعض لم يشكل عليهم في حضارة الصين سوى السؤال عن كونهم فعلاً هم يأجوج ومأجوج، بل وصل بعض الكليات النقاش حول التطابق بين مواصفات الصينيين وبين يأجوج ومأجوج! لكننا لم ندرس التجربة الصينية في الحضارة والنهضة، نكتفي بالقشر عن اللب، وبالهوامش عن المتن، لهذا لا ندرك من الحضارات سوى التقييم الكلامي للأمم، ونظنّ أننا أفضل من الصينيين، بكل شيء، وأن خشومنا المسلولة كأنها حدّ السيف، هي عنصر تفوّق على الصينيين.
جيم هوغلاند، نشر مقالة في واشنطن بوست بعنوان: ما وراء الوجه الظاهر للصين المزدهرة، يقول فيه عن الصينيين إنهم: يستعدون لتغيير كبير للأجيال بين صفوفهم من المتوقع حدوثه في غضون عامين. يعيش قادة الصين عاماً من الحزم.. وعندما استطاعت الصين أن تحلّ محل اليابان مؤخراً لتصبح القوة الاقتصادية الثانية في العالم، بدا أن المسؤولين الصينيين سعداء ومستبشرون بسقوط أكبر لمنافستها القديمة في آسيا، وقالت نائبة وزير الخارجية الصيني فو يينغ وعلى وجهها ارتياح واضح خلال ندوة نقاشٍ دولية: لم يحدث أبداً أن كانت الصين واليابان قوتين في الوقت نفسه.
الصين الآن تحلّق في الكون ملقية حبال سيطرتها وهيمنتها الاقتصادية على العالم، وهي لن تكون بديلةً عن الولايات المتحدة الأميركية لكنها ستكون القوة الأكثر تأثيراً على المستويات الاقتصادية. يعجبني في الصينيين قلة الكلام وكثرة العمل، نحن العرب لدينا آلاف القنوات الفضائية التي تبث في أنحاء العالم، لكن الذي نبثه في الغالب يتمركز حول نعرات تاريخية، أو بطولات قديمة، أو معارك وحروب طاحنة ولى زمنها، يعني أن كل الكلام الكثير هو كلام تاريخي وليس له قيمة كبيرة في استيعاب العصر.
أعجبتني كلمة ختم بها جيم هوغلاند مقالته حين قال: ولا عجب أن زعماء الصين يخشون من أن التاريخ لا يسير في خطٍ مستقيم بالنسبة لأكبر دولةٍ في العالم من حيث عدد السكان التي تحمل بين طياتها غموضاً لا نهاية له.
قلت: وحال العرب حال المثل العربي الشهير: أشبعتهم سبّاً وراحوا بالإبل!