لست خبيرا في أسعار الزيتون ولا الباذنجان بنوعيه المستطيل والدائري، وأيضا لا دلو لدي لأسحب لكم رشفة من بئر الاقتصاد بمعادلاته المركبة المعقدة. وكل ما أستطيع نقله لكم في هذا المجال هو تعليقات المتخصصين وأصحاب الشأن، ومنها بعض آراء الإخوة الكرام من أعضاء مجلس الشورى الموقر بعيد كل خبر اقتصادي يلامس الحياة اليومية للمواطن. خذوا للمثال ما نشرته الزميلة صحيفة (الاقتصادية) صباح ما قبل الأمس عن اقتراب رفع الدعم عن 7 خدمات كانت الحكومة تتحمل فيها 50% من تكلفة رسوم خدماتها على المستفيد وهي: الموانئ وجوازات السفر ورخص السير ونقل الملكية والمخالفات المرورية وتجديد رخص العمالة المنزلية والحماية الجمركية لـ193 سلعة استهلاكية.
وفي التعليق عند قراءة مثل هذه الأخبار سيكون من البدهي الطبيعي، ولأي عضو برلمان في العالم أن يبدي إما: رأيا اقتصاديا قائما على الحسابات الرياضية التي تقنع مواطنيه بحتمية الاستفادة التامة من هذه القرارات التي ستتقاطع حتميا مع مصالحهم بالسلب أو الإيجاب، وإما رأيا اجتماعيا يكون فيه عينا وذراعا أمينة وصادقة مع الجهاز الإداري الأعلى في الوزارات المعنية بهذه القرارات، وينقل في هذا الرأي كل الزاوية المعاكسة للمرآة ذاتها التي يقرأ فيها مثل هذه القرارات المختلفة. وبعبارة صريحة: المواطن ينتظر من عضو مجلس الشورى أن (يفرمل) ويهذب ويشذب بعقلانية وعلم ومعرفة أي مسودة قرار يتوجس منها المواطن لا أن يدمغ عليها قبل أن تخرج للنور والعلن.
هنا سأقتبس تعليق اثنين من أعضاء اللجان المتخصصة في المجلس الموقر، وهما للتوضيح وحدهما اللذان استطلعهما خبر (الاقتصادية) آنف الذكر. عضو لجنة الاقتصاد والطاقة يقول إن القرارات تهدف إلى ترشيد الخدمات التي كانت تقدم في السابق أقل سعر من الخدمة المقدمة. وفي تعليقي الخاص سأقول له إنني لم أفهم ماذا يقصد بالترشيد، وهل يعني أن نتوقف عن أكل وشرب 193 سلعة في حياتنا اليومية أو عن تجديد رخص سير سياراتنا ونقل ملكياتها أو نستغني عن استقدام عمالتنا المنزلية. مفردة (الترشيد) نفسها استخدمها عضو باللجنة المالية ولكنه أضاف عليها (أن الخدمات التي ستقدم بعد هذه القرارات ستكون بجودة أفضل وستشعِر المستفيد بالمسؤولية)، هل يقصد بإضافة (الجودة) في الخدمة المقدمة أن نوعية (الأرز) -مثلا- بعد رفع الدعم ستكون من (البنجابي) المعطر الفاخر بعد أن كان من (البسمتي) قبل رفع الدعم، وهل يقصد، مثلا أيضا، أن المضاد الحيوي غير المدعوم سيقضي على الفيروس في نصف المدة التي كان يستغرقها المضاد الحيوي ذاته في زمن الدعم؟ أما تعليقه عن (شعور المواطن المستفيد بالمسؤولية) فسأعترف لكم أن قواعدي المعرفية وإمكاناتي العقلية والذهنية لم تستطع فك رموز هذه (الشيفرة) ولو حتى في جانبها اللغوي الصرف، حيث هي ملعب مواهبي الخارقة. وأنا في النهاية لست مع أو ضد الدعم أو رفعه، ولا تخصص في المطلق لدي لأتنبأ بما كان أو سيكون في عالم الاقتصاد لكنني كنت مطمئنا على أننا أعطينا الخبز لخبازه ودفعنا لمجلس الشورى برموز وطنية لها باعها الطويل في تحليل الاقتصاد، وكنت أتوقع إقناعا منهم بمعادلة حسابية أقرأ فيها فائدة أي قرار على غرار إعلانات جراحي التجميل (قبل.. وبعد...)، لكن، وللمفاجأة، لم أقرأ لهما سوى مفردات (الترشيد وتحمل المسؤولية وبهارات الجودة)، وهي مفردات موجودة في قاموس أطرف مواطن بسيط. كنت من قبلهما أظن أن عضوية لجنة متخصصة في الشورى تحتاج إلى مواهب خارقة.