لا شك أن سيطرة رسائل الفارغين على وسائل التواصل هي السبب وراء العداء الشديد للدراسة والكراهية للعودة وتحويلها لشبح مرعب للطلبة والمعلمين، حتى إننا نجد تركيزا على العطل الأقرب القادمة ونحن ما نزال في منتصف الإجازة! الواقع أن الهوس بالفراغ في الفراغ ينم عن فراغ مخيف في ذهن صاحبه!
من أهداف التعليم الحقيقية بل أهمها الارتقاء بالإنسان، وبينما أوشكت الإجازة على توديعنا، وهناك من الطلاب من نسي ما تعلمه، ولم يكتسب معرفة قيمة تؤثر في حياته؛ على العكس هناك من أدرك قيمة المعرفة واكتساب المهارة فجعل من العطلة فرصة لمزيد من التعلم المبني على إتقان مهارة جديدة، أو تجويد مهارة سابقة، وهو جهد مشكور لكل العاملين والمتعلمين الذين فضلوا تعب العلم والعمل على راحة الإجازة.
نموذج مشرق سعدت بالتعرف عليه، ألا وهو مبادرة الشيخ عبدالرحمن الجريسي لتجويد برامج الموهوبين بالشراكة مع وزارة التعليم لمدة أسبوعين، بدأت قبل أسبوع في مدارس المناهج بالرياض على قسمين للطالبات وللطلاب من مختلف مناطق الوطن. وقد تكفل صاحب المبادرة بمصاريف الطلاب والطالبات وتنقلاتهم أثناءها.
يعرف (فاب لاب)، أو مختبر التصنيع، بكونه مساحة إبداع توفر للمبتكرين الموارد لصنع وتصميم وإنتاج أحلامهم.
في زيارتي لبنات الثانوية في برنامج فاب لاب أخبرتني الأستاذة ميرفت العيسى مديرة برنامج المبادرة أن المبادرة تستضيف الموهوبات في مقر مدارس المناهج؛ لتقدم لهم برنامجا كاملا على مدى أسبوعين، وأنها هذه المرة عدد الطالبات من مدن مختلفة بلغ ثماني عشرة طالبة تم اختيارهن من الموهوبات في كل مدينة.
ولأن واقع البنات أصدق ما أصف لكم التقيت بالطالبات، وأبهجني التوقد والحماس للتعبير عن الذات، الموهوبة جمانة طارق من مكة تكلمت بانطلاق عن كيفية ترشيحها من مكة المكرمة عبر برنامج الموهوبين، أما الموهوبة هيا الدوسري من الخرج عبرت عن رأيها بالبرنامج وما استفادت منه في معرفة التقنية والتمديدات، وتعلمت أكثر عما يختفي تحت الأشياء الظاهرة حولها، أما الموهوبة نوف العوين من الرياض فقد عبرت أن البرنامج ممتع، وأنها استفادت من اللقاء برواد في الاختراع، لنا الرشيد من الزلفي أكدت على دهشة التجارب التي يقمن بها، وعلية المالكي من الليث أشارت أن البرنامج رغم استمراره طوال النهار لا تكاد تشعر بالوقت لتنوع الفعاليات.
أتمنى لو أجيد التعبير لكم عن انهماك الطالبات بلا ملل في الحديث عن التجربة وذكائهن في الحديث بدقة وقبلها كن يستغرقن في التدريب الذي قاطعته لأستمع لهن بعد أن رأيت الإنتاج المدهش الذي قامت به زميلاتهن في المبادرة الأسبق.
كانت المشرفة تحمل (أردوينو) وهي قطعة إلكترونية تقوم الطالبات بتعلم الاستفادة منها في التحكم بالإضاءة وأجهزة المنزل لتحويل منازلهن إلى منازل ذكية.
الطابعة الثلاثية فكرة مدهشة في التصنيع خاصة عندما تكون بين يدي طالبة في الثانوية، فالهدف كما أخبرت هو إقناع الطالبات بفكرة التصنيع لدعم المحتوى المحلي الوطني، ومساء هناك برامج أخرى لريادة الأعمال تخضع لها، فالطالبات بين هندسة وبرمجة وميكانيكا وتصميم وتدريب.
منتجات الطابعة الثلاثية الأبعاد التي يتم التدريب عليها تهدف إلى التكامل حتى تخرج الطالبة بمنتج حين تصنع مظهرا خارجيا يغطي قطعة (أردوينو) التي طوعتها لأفكارها، بالإضافة إلى منتجات تصنعها الطالبة لأغراض جمالية فنية وتعليمية، فالتعلم ارتبط بالمتعة والمرح مع توفير الخامات المطلوبة.
يقول الأستاذ عبدالعزيز العيد المشرف على القناة الثقافية السعودية بعد مشاهدته قسم الطلاب: (فكرة فاب لاب فكرة خلاقة وجديدة من طرف الشيخ عبدالرحمن الجريسي، حيث الخطة تستهدف رعاية 100 طالب وطالبة خلال 3 سنوات، في رعاية الموهبة، وتحضير مشاريع مبتكرة، وتحويل بعض الموضوعات الدراسية، إلى دروس عملية على أرض الواقع وتهيئة الطلبة والطالبات للمشاركة، باسم المملكة في المحافل الدولية؛ ولعل رجال الأعمال يقتدون بالجريسي في هذا الوقف الجميل على مخيم الطلبة والطالبات الصيفي).
أخيرا الجميل أن هذه المبادرة ستستمر وتتاح مجانا على مدى العام الدراسي للطلبة ولغيرهم، لتنقل للواقع ما طبع على لوحة جميلة من الخشب طبعت في المبادرة عليها صورة لمليكنا المفدى وولي العهد وولي ولي العهد وشعار الرؤية 2030 حفرت على الخشب لتحمل رسالة هامة ألّا رؤية بدون تعليم.