هل حان الوقت إلى قيام وساطة قبلية أو غير قبلية تخفِّف من حدة الاقتتال على جبهة تعز أو توقفه في نوع من الهدنة، انتظارا إلى ما قد يتقرر بخصوص صنعاء، سواء بالصلح أو بالاستسلام؟

من المؤسف أن أهل تعز انقسموا إلى فريقين فريق مع الشرعية، وفريق مع صالح وفلوله بصورة خاصة، ولذلك فإن تعز هي من يدفع الثمن، سواء في الأنفس البريئة التي تقتل دفاعاً عنها، أو تلك التي تستميت في سبيل الاستحواذ عليها، فضلاً عن الخسائر المادية في العمران والمرافق العامة والبنية التحتية، والآثار التاريخية التي لا تقدر بثمن، وانقطاع الخدمات، وخلاف ذلك من الأضرار التي يعانيها عامة الناس في تعز وما حولها. كل ذلك ولا يبدو أن هذه الحرب في جبهة تعز في سبيلها إلى الحسم، ثم إنها إذا حسمت لصالح الشرعية -وهذا ما أتمنى وقوعه- فما الأهمية الإستراتيجية والعسكرية المترتبة على ذلك الحسم؟ وهل تحرير تعز من قبل الشرعية يمكنها من الزحف مباشرة إلى صنعاء عبر جبهتي إب وذَمَار وما وراءهما حتى الوصول إلى مبتغاها؟ وهل تحرير تعز سيمكن الشرعية من السيطرة على موانئ تهامة، خصوصاً ميناء المَخَا وميناء الحُدَيْدَة اللذين أستغرب حتى الآن عدم الوصول إليهما على الرغم من أهميتهما؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة أرى أن تحرير تعز وعودتها إلى الشرعية لن يتجاوز تعز نفسها، وذلك لأن الزحف البري منها إلى صنعاء سيكون مهمة صعبة كون الطريق الموصل إليها يمرّ بعدد هائل من المدن والقرى المأهولة، والجبال الشاهقة، والوديان السحيقة، والتعقيدات الجغرافية والولاءات السياسية والمذهبية التي قد تبطئ بالزحف، أو تحول دون تقدمه. أما استرداد ميناءي الحديدة والمخا فكان من المفروض أن يكون التركيز عليهما منذ البداية، وليس على تعز، خصوصا أنهما يقعان في منبسط من أراضي تهامة السهلية، وأنه بالإمكان إتيانهما من البحر، وأن استردادهما يمكن أن يسهِّل مهمة تحرير تعز وما وراء تعز وليس العكس. أما من يرى أن سقوط تعز في أيدي الحوثيين وصالح يشكل تهديداً لمدينة عدن وما حولها فهذا الاحتمال لم يعد قائماً في هذا الوقت بالذات، لأن قبائل جنوب اليمن أثبتوا أنهم قادرون على حماية عدن، خصوصاً وهم الذين كبَّدوا المحتلين خسائر فادحة، وأجبروهم على الانسحاب من عدن أذلة وهم صاغرون، وبذلك فلم تعد تعز ذلك السد المنيع الذي يحول دون أي تهديد لعدن من تلك الناحية.
وفي المقابل فإن استيلاء الحوثيين وصالح على تعز لن يكون ذا جدوى، لأن بقاءهم فيها سيكون أمراً صعباً بسبب ضيق المدينة وازدحامها، وعدم تقبّل أهلها هؤلاء الغزاة الذين قد يواجهون حرب عصابات واستنزافا لا نهاية له إلا بمغادرتهم إياها كما حصل في عدن.
لكل ما سبق قد يتبادر إلى الذهن السؤال الآتي: هل تستحق جبهة تعز كل هذه التضحيات والخسائر في الأرواح والأموال وتشتيت الجهود؟ والجواب واضح وضوح الشمس لكل من يتابع أحداث حرب اليمن على مختلف الجبهات، ويستقرأ ما يمكن أن تفضي إليه كل جبهة من نتائج تخدم الشرعية والسلم الأهلي في اليمن، وتضع حداً للاقتتال بما في ذلك الوصول سلماً أو حرباً إلى الهدف الرئيسي، وهو صنعاء العاصمة، فجبهة تعز ليست في تقديري في مثل أهمية جبهة نِهْم، وجبهة مأرب أو الجوف أو أَرْحَب من حيث تهديدها لصنعاء، وتضييق الخناق عليها. فهل حان الوقت إلى قيام وساطة قبلية أو غير قبلية تظهر من تعز أو من خارجها تخفِّف من حدة الاقتتال على هذه الجبهة أو توقفه في نوع من الهدنة انتظاراً إلى ما قد يتقرر بخصوص صنعاء، سواء بالصلح أو بالاستسلام، عندئذ ما أسهل أن تتحرر تعز، وتسلّم قيادها لصنعاء وتدخل في السلم كافة. فصنعاء كما يقول مؤرخ اليمن الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب (1391هـ ص 81) هي: أم اليمن وقطبها، وما يتقرر فيها هو الأساس، وليس في تعز أو أي مدينة يمنية أخرى، فإذا خضعت صنعاء خضع اليمن كله.