منال العمراني
حين نقف حائرين عند نقطة ما، قد تكون لغزا أو مقلبا أو قصة مملة أو مقالا، وفي أحيان أخرى صعوبة في التعبير، وما أن نصل إلى آخرها نندهش من تفاهة النتيجة أو بساطتها أو إمكان حلها، وأحيانا نتمنى لو لم نضيع الوقت في قراءتها أو نقول لو اختصرها الكاتب لأن الموضوع لا يحتمل الإطالة، والكثير من الانتقادات التي من الممكن أن نصف بها الكاتب، أو أننا قرأناه لمجرد ملل تسلل إلى داخلنا، أو لقلة الصبر وشغفنا لسرعة النتيجة، وكثرة حدوث مثل هذه المواقف تُحدِث داخلنا اكتشافا جديدا لشخصيتنا أو مهارات نمتلكها وتجاهلناها ولم نعطها حقها، ونقرر في لحظة حاسمة تغيير النظرة وننتبه إلى أن علينا أن نبدأ من الآخِر، حتى نختصر من الوقت كثيرا، وهذا ما يتبعه علمنا الجديد المسمى بالـكوتشنج وهو وباختصار شديد: تجاهل الأسباب والبحث عن الحل للمشكلة.
أنا كتبت وأنت تقرأ، وغيري يكتب وأنا أقرأ، ولكنني سأختلف قليلا عما كتبته وذكرته قبل قليل!
لا يكفي أن تصبح مستقبلا من الكوتشنج لتبحث عن الحل فقط! ولا تطمح أن تكون معالجا لتبحث عن الأسباب فقط، ثم علاجها.
أعتقد أنه بإمكاننا التهجين بينهما، وبطريقة ما نختصر الوقت مع الوصول إلى نتيجة وحلّ، فلو اتبعنا القراءة من أولها حتى آخرها حتما سنصل إلى نتيجة وحلّ، ولكن في وقت أطول وبأسلوب وأفكار نمطية، ولكننا نسعى إلى ابتكار الأفضل والأسرع، وأن تكون القراءة من الأخير حتى نصل إلى أوله، وهذا ما كنت أفعله في الصغر، ولم أستطع تفسير هذا التصرف إلا الآن.
الآن، ومع الخبرة، نفهم ونعرف ونفسر كل صغيرة وكبيرة، وفهمنا إن بدأنا القراءة من آخره أو القصة أو اللغز فإن ذلك قد يطفئ شغفنا وحبنا لإشباع الفضول داخلنا، وإيجاد الحلول أو الوصول إلى النتيجة في أسرع وقت ممكن.
ممتاز عزيزي القارئ، أنت الآن حصلت على تقدير جيد جدا في الكوتشنج، فلنستدرج الكلمات ونصعد إلى الأعلى حتى نصل إلى أول سطر لنعرف التفاصيل التي أوصلتنا إلى تلك النتيجة، والتمعن في تلك التفاصيل، والبحث عن التسلسل في حلقاتها بين أول حرف والنتيجة.
تماما مثل المشكلات، نحتاج أن نبدأ من آخرها لنعرف نتائجها وخيوط حلولها حتى نعود إلى أولها ونبحث عن الأسباب وعلاجها إن لزم الأمر، أو تجاهلها إن كانت لا تستحق، وهنا نكون وصلنا إلى دور المعالج، ووصلنا إلى أفضل حال، ولعله ارتفع تقديرك الآن إلى ممتاز، ونكون بذلك قد جمعنا بين مهارتين، وتحولت تلك القراءة إلى عملية تجميل لمشكلاتنا من الخارج والداخل الذي يوصلنا إلى قمة الإحسان.
كثير منا لا يفكر في الأسباب، لأنها مضيعة للوقت ودوشة راس، ولكنها حتما علاج جذري لمستقبل أفضل وتأسيس صحيح وتنقية النفس من كل الشوائب، حتى نصل إلى الارتياح الذي يجعلنا نتقن كل شيء بمهارة، ونعمل كل شيء بحب، وحتى ردة فعلنا مع الآخرين تكون بارتياح ودون تشنج.
والآن، لو قرأت هذا المقال من آخره حتى أوله لاختصرت من وقتك وعمرك كثيرا، وأنهيت كثيرا من المشكلات، في حين أن غيرك يبدأ القراءة من أول السطر ومع أول حرف.