زيارة إردوعان لموسكو وتصريحات يلدريم، واللقاءات العسكرية الأميركية الروسية التي تسارع إيقاعها في الفترة الأخيرة، لم تكن إلا تمهيدا لرسم خارطة جديدة لأحلاف جديدة

ها قد تم الإعلان فعليا عن التحالفات الجديدة بين القوى المؤثرة في الشرق الأوسط وأيضا في مجريات الحرب السورية، وستشهد المنطقة على ما يبدو إعادة نظر في خرائط تقاسم النفوذ بين ما يشبه حلفي وارسو والناتو، إذا صح القول، وما حدث في تركيا في الأسابيع الأخيرة، من المحاولة الانقلابية إلى الحملة الكبرى التي أعقبت ذلك الانقلاب الفاشل، إلى زيارة إردوغان لروسيا ونجاح البلدين في تجاوز أزمة إسقاط الطائرة الروسية، ثم تصريحات رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم قبل أيام؛ تؤكد بما لا يقبل الشك أن لتركيا دورا رئيسيا في هذا الحلف المقبل.
تصريحات يلدريم بأن تركيا سيكون لها دور أكثر فاعلية في سورية في الأشهر المقبلة تجنباً لانقسام البلاد على أسس عرقية، وأنها تستطيع الوصول إلى حل في سورية، بمشاركة إيران ودول المنطقة وأميركا، وقبولها ببقاء الأسد في المرحلة الانتقالية، ليس مفاجئا كليا، فما حملته الأيام الماضية من تطورات كان يوحي بأننا على عتبة تحول كبير، بدأت ملامحه تتوضح بعد محاولة الانقلاب الفاشلة والعمليات الإرهابية التي باتت تشكل تهديدا على الأمن القومي التركي، والخوف من تقسيم سورية بعد التعاظم المقلق للنفوذ الكردي في الشمال السوري، وأيضا وبشكل أكثر تأثيرا تقاطع المصالح الإيرانية التركية حول هذا الهاجس تحديدا.
كنت تحدثت عن الدلالات اللافتة للخطوة الروسية الأخيرة التي فاجأت الجميع وهي إنشاء قاعدة جوية في همذان، هذه الخطوة أبطلت كل القراءات والتنبؤات السابقة عن خلاف إيراني روسي في سورية أو تباين في وجهات النظر حول مصير بشار الأسد، فالمستجدات الأخيرة الطارئة تؤكد ألا شيء من هذا صحيح فعليا، وإن كان، فهو ثانوي وهامشي وغير مؤثر على مسار التغيير التاريخي الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، وكل ما نراه حاليا يرسخ فكرة أن أحلافاً جديدة ولدت برعاية القوى العظمى، وزيارة إردوعان لموسكو وتصريحات يلدريم وكذلك اللقاءات العسكرية الأميركية الروسية التي تسارع إيقاعها في الفترة الأخيرة، والتي ظننا نحن السوريين بسذاجة أنها تدور حول تزايد أعداد القتلى من المدنيين السوريين في منبج وداريا وحلب لم تكن إلا تمهيدا لرسم هذه الخارطة الجديدة لأحلاف جديدة أيضا تمتد على بقعة شاسعة من العالم سيكون جديدا أيضا.
سابقا فتحت إيران قواعدها الجوية أمام المقاتلات الروسية في منطقة قريبة من منابع النفط الكبرى في العالم، وهذا يعني أن القاعدة الجوية التي ستصبح روسية قريبة من أهم منابع النفط في العالم في إيران والعراق ودول الخليج العربي، أي أن روسيا ستحظى في الأيام المقبلة بوجود عسكري وإستراتيجي بالقرب من أهم منابع النفط في العالم، وبالطبع قرار بهذا الحجم لا يمكن أن يتم دون توافق روسي أميركي شامل، ودون علم الولايات المتحدة بأدق التفاصيل، والتصريحات الأميركية بأن الروس أبلغوهم بهذه الخطوة، ونسقوا معهم بخصوصها، وأنها تصب في الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب، تثبت حجم هذا التنسيق.
الأميركان هم رعاة هذا الاتفاق والروس والإيرانيون ينسقون بينهم أصلا، وها هي تركيا تنضم إلى الحلف الجديد لمغازلة أميركا، بقي أن ننتظر الأيام والشهور المقبلة التي وعد يلدريم فيها بدور أكثر فاعلية لتركيا في الأزمة السورية، لنرى طبيعة هذا الدور وفيما إذا كان سينصف السوريين الذين قتلوا وشردوا وسجنوا فقط لأنهم طالبوا بالحرية، أم أنه سيعني تحالفا جديدا أيضا مع الأسد الذي اعتبره يلدريم عنصرا فاعلا في حل المشكلة الراهنة، وإذا كان يعني بالمشكلة الراهنة المشكلة الكردية على حدود تركيا وأمنها القومي، أم مشكلة السوريين أنفسهم، وعندما نقول السوريون نعني جميع السوريين.