عمر محمد العمري

تكتسب الأسرة أهميتها كونها أقدم مؤسَّسة اجتماعية للتربية عرفها الإنسان، وأحد الأنظمة الاجتماعية المهمة التي يعتمد عليها المجتمع كثيراً في رعاية أفراده منذ قدومهم إلى هذا الوجود وتلقينهم ثقافة المجتمع وتهيئتهم لتحمل مسؤوليتهم الاجتماعية، والأسرة تعتبر الحاضنة الأولى لهم، والراعي الرئيس لاحتياجاتهم، والحامية ــ بعد الله ـــ للمجتمع من التفكك، والعلاقة بين الفرد والأسرة والمجتمع علاقة فيها الكثير من الاعتماد المتبادل ولا يمكن أن يستغني أحدهم عن الآخر.
وتعتبر الموافقة على إنشاء مجلس شؤون الأسرة برئاسة وزير العمل والتنمية الاجتماعية الدكتور مفرج بن سعد الحقباني وفقه الله التي صدرت أخيراً من مجلس الوزراء برئاسة نائب خادم الحرمين الشريفين الأمير محمد بن نايف حفظه الله في جلسته التي عقدها الإثنين الموافق 20/10/1437، خطوة نوعية لتولي مهمة رعاية شؤون الأسرة داخل المملكة، ويكون مقره في مدينة الرياض. ويهدف المجلس إلى تعزيز مكانة الأسرة ودورها في المجتمع والنهوض بها، والمحافظة على أسرة قوية متماسكة ترعى أبناءها وتلتزم بالقيم الدينية والأخلاقية والمثُل العليا.
ويأتي هذا المجلس في إطار ما تتطلع إليه القيادة الرشيدة وفقها الله وسدد خطاها ويحقق (رؤية المملكة العربية السعودية 2030) التي طرحها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ــ حفظه الله ــ التي تؤكد على إمداد الأسرة بعوامل النجاح اللازمة لتمكنها من رعاية أبنائها وتنمية ملكاتهم وقدراتهم، ومساعدة أولياء الأمور من خلال إشراكهم في العملية التعليمية في بناء شخصية أطفالهم ومواهبهم حتى يكونوا عناصر فاعلة في بناء مجتمعهم، وتشجع الرؤية الأسر على تبني ثقافة التخطيط بما يتناسب مع الإمكانات المتاحة لها، وبما يمكنها من توفير احتياجات أبنائها والعناية بهم على أكمل وجه.
ويأتي دور مجلس شؤون الأسرة في تأطير نشاطات الأسرة وتوجيه سلوكياتها، لأنها تشكل القاسم المشترك لبقية مؤسسات المجتمع ونقطة تلاقيها وتفاعلها، وبالتالي فبمقدار تماسك بنيان الأسرة واستقرارها ينعكس ذلك على حسن قيامها بوظائفها وأدوارها، ويستمر دور المجلس في تعزيز متانة البنيان الاجتماعي على أساس مبني من الوعي الصحي لأعضائها جسمياً ونفسياً، وتقديم النماذج الترشيدية الوطنية الناضجة للأبناء لكي يتنمذجون بشخصياتهم على أمثالها. بالإضافة إلى تعزيز دور الأسرة في توفير الاطمئنان والتقبل والتشجيع وألوان الحماية والرعاية في كنفها، وتجذير احترام الذات وتقديرها والثقة بالنفس والتمكين في الحياة، مما يرسي أسس بناء المواطن الصالح والمنفتح إيجابيا على الآخر، والقادر على النماء والعطاء والبناء لهذا الوطن.
لذا فإن إصلاح الأساس يصلح البناء، وكلما كان الكيان الأسري سليما ومتماسكا كان لذلك انعكاساته الإيجابية على المجتمع. إن الأسرة التي تقوم على أسس من الفضيلة والأخلاق والتعاون تعتبر ركيزة من ركائز ذلك المجتمع الذي سيكون مجتمعا قويا متماسكا متعاونا، يسير في ركب الرقي والتطور. فعندما يتغير المجتمع فإن الأسرة تتأثر بهذا التغير وتستجيب له وتحاول أن تتكيف مع الأوضاع الاجتماعية الجديدة، ولعل الأسرة هي النظام الاجتماعي الوحيد الذي يرتبط بكل أنظمة المجتمع، إذ إن الأفراد الذين يمثلون أنظمة المجتمع المختلفة ينتمون إلى أسر كان لها الأثر في تهيئتهم.
ولذ فإننا نرى أن للأسرة دورا كبيرا وبالغ الأهمية في ترسيخ حب الوطن والانتماء الوطني والاعتراف بفضله والوفاء له إضافة للحرص الأكيد على إدامة موجوداته الحضارية ومعالمه الطبيعية جميلة لافتة وبما يؤهلها للبقاء للأجيال القادمة تتطلب مشاركة الجميع وبحماس نابع من القلب وبصورة إدارية ومن دافع ذاتي عن الحب الذي تكتنزه القلوب لهذا الوطن الشامخ.