يحسب لوسائل التواصل أننا نحن النساء خاصة والمجتمع عامة انفتحنا على التعبير، وأصبحنا ننتقد الأفكار السلبية في خطوة نحو الإنصاف، إلا أننا ما نزال نرزح تحت مخيال وأكاذيب لصوص العقل
هناك مثل هندي يقول: في كثير من الأحيان يمكنك أن تجد في الأنهار ما لا تستطيع العثور عليه في المحيطات.
الوطن يخوض حربا في الجنوب، وبذات الهمة يعمل في تنمية اقتصاده، والبحث عن حلول للبطالة، وتنويع لمصادر الدخل.
ما أجمل من يترحم على الشهداء بدعوة صباحية أو مسائية، وما أعذب من يذكرنا بدعم أسر المرابطين.. وما أرق من يبحث عمن يسدد دين شهيد أو مرابط.. ها نحن؛ نهر حب لا ينضب، ووطن كرم لا يبخل بالرجال فضلا عن المال، وهذا وطن ابتدع الكرم بداية ليحيا البشر.
وقفة حب للجنوب الشامخ والجرح ينزف في نجران الحب، وأختها جازان القلب، الرجال هناك يتعاملون مع الموت ببساطة تشبه تعاملهم مع الحياة. تستحق كلماتهم أن يعاد تدويرها، وتستحق روحهم أن تغذى في تربة قلوبنا؛ حب الوطن والحياة لأجله. في وقت أصبح التواصل بحرا لا شطآن له من الأفكار التي نتداولها لإنجاز أعمال ما، وللمعلومات والدعوات والأماني الجميلة صباح مساء وما بينهما. وهي تحقق كما لمسنا فوائد لا نجهلها؛ بل ونحرص عليها -على الأقل- لنطمئن أن من يعنينا أمرهم ما يزالون بخير، بل حتى بعد رحيل الأحباب نطل على محادثات توقف قلب أصحابها عن النبض إلا بأرواح محبيه الذين يستذكرون جماله العابر لدنيانا.
وسط هذا الجمال بحر زاخر من مقاطع مملة تحتاج الفكرة المكررة التي فيها لعشر الوقت الذي قيلت فيه، ويفشل المتحدث في الاختزال كما نفشل في التوقف عن تكرار الإرسال، فنحن نعاني مشكلة حقيقية ونتاجر بالملل!
أيضا أن نشغل فضولنا بغضب إنسان أو اقتراحاته التافهة فنحن في مشكلة وعي! وأن نصدق أن الكرفس علاج للسكر يقضي عليه، ومجرب من إنسان ثقة، فنحن نعرض صحة كل مريض باحث عن الشفاء للتدهور، وربما نتسبب في هلاكه لو كان من مرضى الدرجة الأولى وتوقف عن العلاج الموصوف له.
للحق يحسب لوسائل التواصل أننا نحن النساء خاصة والمجتمع عامة انفتحنا على التعبير، وأصبحنا ننتقد الأفكار السلبية أو ننقل الرأي والردود عليه في خطوة نحو الإنصاف؛ إلا أننا ما نزال نرزح تحت مخيال القصاص وحكايات من المستطرف في كل فن مستظرف، وأكاذيب لصوص العقل الذين يبذرون فوق قبور من يحبون ويسقونها، أو يصورون بيوت الأفاعي ويجعلونها قبرا لمن لا يرضون عنه!
الذي يصور كل تغريداته ويرسلها لك يحاصرك بأفكاره، والذي يرهق ذاكرة جوالك بمقاطع لأحد نجوم يوتيوب الفارغين المملين يستنزف وقتك أيضا لتسأل نفسك: أليس لدينا ما يهم أكثر من هذا؟!
نعم لدينا بالتأكيد، فصناعة الحياة ورعاية الجمال فيها مهمة، وتناقل ما يعيننا عليها ضرورة أيضا.
المصيبة أن من كتاب المقالات من يمكنك أن تخمن مقاله القادم، فهو عن أهم ما تداوله الناس مؤخرا، وهذا حق مكفول لنا إن أضفنا ووجهنا ونقدنا لا أن نكون مثلهم ندور في نفس الحلقة المفرغة ونعيد تدوير المدور دون أي إضافة مفيدة!
أخيرا لنجعل التواصل محطة تعبير من محطات يومنا، كوسيلة لا غاية، لا أن نفتح أعيننا عليها ونغمضها بدون وعي، فالوعي قبل شجاعة الشجعان (مع الاعتذار من المتنبي).