دعيت ذات مساء إلى قصر أفراح لحضور مناسبة زواج أحد الأقرباء، ولأول وهلة صدمت من فتح الباب على مصراعيه لكل من ملك أرضا عمل عليها سورا وإضاءة وأنوارا، وقام بجدولة المناسبات الليلية دون تراخيص إلا من بعض الجهات الحكومية. ولعل القصة بدأت عندما وصلنا إلى القصر فكان الجو مظلما والناس تحت رحمة أن يضاء القصر بالأنوار أو تمضي الليلة دون فرح، ويتفرق الناس بدون إكمال حفل الزواج. وتساءلت ما الذي حدث؟ قالوا بكل بساطة: انقطع التيار الكهربائي. كيف ومتى ولماذا؟ لا أحد يجيب، وفجأة حضرت فرقة من الكهرباء لإضاءة ذلك القصر المتواضع، عندها فتحت عدة أسئلة وجلست مع بعض المدعوين: هل للقصر ترخيص وهل هناك اشتراطات للدفاع المدني؟ هل هناك جولات لأمانات المدن لتعرف مدى تحقق الشروط والمواصفات؟ ما نسبة تقييم هذا القصر أو الاستراحة لتكون مؤهلة للمناسبة أو لا؟ ولهذا تحاورت مع المالكين لهذه الاستراحة التي يصفها بأنه قصر أفراح.. فقلت أين وسائل السلامة؟ قال: الآن إذا عاد التيار الكهربائي نتفاهم!
هنا بدأت أتحقق أنه لم تعد قيمة لا لشروط السلامة ولا للرخص، وأن السوق مفتوحة لكل من يستطيع أن يبني قصرا أو استراحة، ولهذا لا بد من مراجعة كيف يسمح بفتح الاشتراطات وأين الجهات المسؤولة، ولعل في مقدمتها أمانات المدن والدفاع المدني وشركة الكهرباء ووزارة التجارة كل فيما يخصه، فالأمانات تمنح ترخيص المبنى ومساحته والموقع المناسب حتى لا يكون وسط الأحياء، والدفاع المدني له شروط أهمها توفير شروط السلامة، أما شركة الكهرباء فينحصر دورها في توفير الطاقة المطلوبة مع ضرورة توفير فني متخصص على حساب صاحب القصر يملك رخصة فنية لإدارة الكهرباء، هنا نضمن عدم الانقطاع، والحكاية لم تنته بعد، فما ذنب أهل العروسين ومن يعوض كل تلك الخسائر التي على ضوئها أهدرت اللحوم والموائد وضياع أوقات المدعوين! كل هذا يحدث في غيبة من الرقيب أو المسؤول عن تلك اللوائح المطلوبة من المستثمر لهذه القصور أو الاستراحات. والذي أعرفه أن هناك قضاء يحتكم إليه في مثل هذه الحالات، لكن كان من المفترض أن تتم صياغة العقود تحت نظر الموثق العدلي أو مكاتب التأجير حتى لا تترك للمستثمر حرية اللعب مع المستأجر وصاحب الفرح.
إن انقطاع الكهرباء ولو لساعة واحدة كفيل بتأثر أهل المناسبة وانزعاجهم وتأثر الناس جميعا من تصرف ليس له حماية، وقد يقول قائل إن هناك تراخيص تمنحها البلديات وهذا صحيح، لكنه لا يحمي حقوق الآخرين الذين بذلوا أموالا طائلة في الموائد والإضاءة والمواد الغذائية التي ذهبت سدى تلك الليلة دون فائدة، يخسر بها أهل العروسين ليلتهم، وهذا ما عشته في تلك الدعوة التي وجهت إليّ في تلك المناسبة ولو كلف المالك نفسه مولدا احتياطيا -مثلا- لتجنب هو وأصحاب العرس ما حدث.
من يعوض هذا الأب أو هذا المسكين الزوج التكاليف الباهظة التي أنفقها على ليلة العمر وجمع لها من المواد الغذائية والحلويات وحفلة السهرة مما يؤكد أن الخسارة حاصلة، ولهذا لدي مقترحات وتوصيات بعد مشاهدات قصور الأفراح وما يحدث فيها، ولا أعمم فهناك من رجال الأعمال من دفع أموالا باهظة ليكون قصره وأفراحه ومشاريعه ناجحة، لكن المقلدين لهؤلاء يقعون في مطبات الربح العاجل فتغيب عنهم الاشتراطات التي تطالهم مثل شروط الأمانات والدفاع المدني والتجارة، وكلها تغيب أحيانا ومعهم شركة الكهرباء المشغل الرئيس لتلك الليلة، ولهذا لدي توصية تخص هذه الجهات بتفعيل الدور الرقابي الجاد على تلك القصور حتى لا يحدث ما شاهدته تلك الليلة من انقطاع الكهرباء والجلوس في قاعات مظلمة لساعات طويلة أهدرت فيها الأموال وتكبد أهل العروسين خسائر لا يعلمها إلا الله، فضلا عن العامل النفسي الذي صاحب ذلك الظلام في ليلة الفرح، وبكل أسف لهذه الجهات ولغيرها أقول: ألزموا أهل القصور بأخذ الاحتياط مهما كلف ذلك من ثمن، لتستمر الأفراح بيننا.