قال لي بنبرة دهشة واستغراب: كيف تجرؤ على الدعوة الواضحة لإنهاء عاصفة الحزم وإعادة الأمل في مقالك مطلع الأسبوع وأنت تعلم أن الأهداف لم تستكمل بعد؟ الجواب من شقين، الأول أن مساحة النقاش وحرية الرأي في وطني الغالي واسعة حد الدهشة، ولله الحمد، وتحتمل في مناخها الصحي رأيا مختلفا أكتبه في العلن في صحيفة وطنية. الثاني، أنني واثق أن العاصفة وفيما يخص الأولوية المطلقة للمواطن السعودي قد أشعرته بالأمن والأمان التام. دمرت ترسانة المخلوع والحوثي وأرسلت رسالتها الجوهرية إلى العدو الأكبر خلف الستار بحزم وجزم. كل ما بقي ليس إلا التحذير من استنزاف الميليشيا وعصابات الإرهاب والحروب في مستنقع دولة فاشلة، وهذا ما لم تستطع عليه أميركا ولا روسيا في أفغانستان، ولا الأولى في فيتنام والعراق.
وأكثر من هذا فإن علينا أن نقرأ طبيعة التحولات المتسارعة من حولنا، وشكل تحالفاتها الأخيرة في بؤر الصراع على الخريطة العربية، وأن نقرأها جيدا كي نتخذ القرار المناسب. نحن الدولة الوحيدة التي التزمت مبادئ الصدق والحق والعدل، بينما ابتدأ عقد الآخرين من حولنا يقفز إلى الأشجار المجاورة بطريقة براغماتية، بل أقرب إلى الميكافيلية. تركيا وإيران ومعهما روسيا هي اليوم على الخط الهاتفي الساخن لترتيب مواقفها الجديدة، وبكل تأكيد فإن النظام السوري معها على تحويلة هاتفية. تركيا مشغولة حد الشعرة الأعلى من الرأس بطوفانها الداخلي بعد محاولة الانقلاب، وهي في الملف السوري تسعى للتهدئة حد التجميد، لأن أولوياتها اليوم هي فرز ما يقرب من ربع مليون مواطن في مشروع التسريح من العمل والتعامل مع ملفات أكثر من 20 ألف معتقل وهو رقم يشل اهتمام عشر دول مجتمعة. رؤساء هذه الدول الثلاث ووزراء خارجياتها اجتمعوا بحر الأسبوع الماضي في سبعة لقاءات، قيل إنها استغرقت في المجموع 18 ساعة. لم يكن النقاش، بالبديهة، لترتيب حجوزات السائح الإيراني ولا الروسي إلى تركيا، ولا تصدير البرتقال المكدس في مخازنها، فأطرف مبتدئ في السياسة يعلم جيدا أنها ترتيب مواقف جديدة ومختلفة جذريا بشأن الملف السوري. أميركا مشلولة لسبعة أشهر حالية أو قادمة بزلزال الانتخابات، فلا يستطيع أوباما أن يتخذ حتى قرارا ثانويا في هذه الفترة، كي لا يمس مصالح حزبه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. بريطانيا بحكومة جديدة وصلت إلى دواننج ستريت من أجل هدف واحد وحيد، هو ضمان الخروج الملائم من الاتحاد الأوروبي، فلا يوجد لبريطانيا ساعة شاردة في اليوم الواحد للانشغال بالجدل التاريخي المزمن في هذا الشرق الأوسط. هل اجتمعت كل هذه الحيثيات والوقائع بالصدفة، أم أنها مبرمجة في الأصل؟ فهذا سؤال خطير لسنا بصدد إجابته. كل ما أختم به اليوم ليس إلا الدعوة الصريحة الواضحة لقراءة طبيعة المرحلة وشكل التحولات والتحالفات المستجدة التي ولدت في ظرف شهر تاريخي. لا يمكن أن تبقى وحدك أخلاقيا في غابة براغماتية ميكافيلية فأرجو أن تكون الرسالة واضحة.