انتشرت عبارة تزييف الوعي الفني في الأوساط الفنية، من خلال تعديل أو تحديث لتواريخ بعض اللوحات التي رسمت بأيدٍ أجنبية وأسماء فنية كبيرة، التي تظهر من حين لآخر في بعض المناسبات والمعارض. طرحت الوطن هذه العبارة على بعض الفنانين، لمعرفة مزيد من خفايا وأسباب ظهورها في أوساطهم.
ظاهرة قديمة
أوضحت مشرفة لجنة الفنون التشكيلية في جمعية الثقافة والفنون في الدمام، الفنانة يثرب الصدير لـالوطن، أن التزييف الفني ظاهرة قديمة بدأت مع بدايات انتشار الفن ولها أسباب ودوافع عديدة، التي قد لا تبتعد عن دوافع الشهرة والربح السريع، فلربما كانت إحدى شروط العرض أو الشراء أن تكون اللوحة حديثة ولا يوجد لدى الفنان عمل حديث يستطيع المشاركة به أو بيعه، فيلجأ هنا إلى التزييف بمسح تاريخ اللوحة ويضع تاريخا أحدث، والأسباب كثيرة ولكنها تؤدي بالنتيجة لنفس الهدف، مضيفة أن بعض ممارسي الفن ممن لديهم مؤسسات أو عمالة أجنبية ويلجأ إليه في تقديم أعماله والرسم عنه، لا يستحق ربما لقب فنان وهو دخيل على هذا المجال، ولربما كان الشعور بالنقص والعجز والضعف الفني سببا رئيسيا يدفع البعض للجوء لمثل هذا الحل البعيد عن المصداقية.
سرقة فنية
قالت التشكيلية الكويتية مها المنصور لـالوطن، إن مسح اسم الفنان أو توقيعه يعتبر سرقة طبعا، بغرض نسب العمل له وهذا يعكس ضعف الفنان الحقيقي، لكن لا ننكر وجود توارد الخواطر والتشابه في بعض الأحيان، وأشبه ذلك بالألحان والكلمات في الأغاني، عكس تزييف واضح لعمل مكتمل، فهنا سرقة فكر ومجهود، وأعتقد أنه في حال اكتشاف هذا الفعل، يجب سحب لقب فنان، أما بالنسبة لاختلاف التوقيع من وجهة نظري شيء طبيعي جدا، وذلك يرجع لاختلاف الزمن والمواد المستخدمة أحيانا قد تؤدي إلى اختلاف التوقيع.
معايير أوروبية
يعتقد الناقد الإسباني السوري الأصل عبدالقادر الخليل المقيم في إسبانيا، أن من يطمس تاريخ لوحته أو يعدل بها هو فقط الفنان الذي إنتاجه قليل، كي يصل إلى عرض آخر وباسم لوحة جديدة، فما فائدة اللوحة إذا كانت تحمل طابع الشك؟ عامة هذه اللوحة تفقد قيمتها الفنية وقيمتها المادية، هذا إن لم تدخل الحسابات في أنها لوحة لفنان آخر؟ كثير من الفنانين نرى في لوحاتهم تصليحا وتنظيفا في بعض الأحيان، هذا يحدث في كثير من اللوحات ونصل إليه في دراسة المواقع الجديدة ومن خلال تغيير المواد وعمرها، لكن في حال تغيير التوقيع، وتاريخ الإنتاج تفقد اللوحة أهميتها المادية والمعنوية.
في صالات العرض في أوروبا هناك معايير وشروط صارمة، إذ تطلب الصالات توقيع الفنان على القماش الخلفي وعلى الخشب الذي يحمل القماش لأنه لا يمكن التغيير فيها بسهولة، مع هذا هناك فنانون لهم إمضاءات أخرى كي لا يحدث تزييف في العمل، حدث لي أن راقبت هذا الخلل في بعض المعارض، لكن هل يعرف الفنان أنه وُضع تحت شكوك كثيرة؟ وفي حالة رؤية لوحة لا تتمتع بهذه الأمور، وتُشاهد هذه اللخبطة، على المتلقي أن يحتج أمام الفنان أو أمام صالة العرض، وكل الثقة في أن يكون العمل الفني للفنان هو التوقيع والتاريخ، لأن التاريخ دليل مهم، ويعطي أسطرة في حياة الفنان ومراحله التي سار بها، فقد كان الفنان بيكاسو يمضي لوحاته بشيء من دمه الخاص، كي لا يحدث أي تزوير.
أخطأ الفنان سالفادور دالي في توقيع الأقمشة قليلة قبل تصميم لوحاته، لهذا السبب فقط بقيت أعماله أقل ثمنا أمام الفن العالمي، علما أنه من أعظم الفنانين في العالم، لكن الشك بأن يكون أحد استخدم تلك الأقمشة أفقد لوحات مرحلته الأخيرة التقدير المناسب.
ويرى الخليل أن أصحاب المؤسسات الخاصة الذين يستغلون مناصبهم في المؤسسات لمصالحهم فهو تزييف كبير، في القانون الغربي هذا الإنسان يُطرد من العمل، ثم يُحاكم، وربما يُسجن، ويُحرم من حقوق التجارة والصناعة والسياسة لسنين.
ففي الصالات العالمية وفي المتاحف تعتمد اللوحة التشكيلية على ثلاثة منظر اللوحة، الفنان الذي أنجزها، والتوقيع، تكون مترابطة ببعضها، وأهم الأشياء لضمان قيمة اللوحة التوقيع، حتى وإن كان الفنان معروفا، وأي خلل في التوقيع تصبح اللوحة في حالة شك وهجر، لأن التغيير يشير إلى تزييف اللوحة.
توثيق مؤسسي
يشير الفنان والناقد المصري محمود القاضي إلى أن أي تغيير أو تعديل في تاريخ أي عمل فني هو خداع الفنان لنفسه ولا يخدع الآخرين من الفنانين أو المهتمين، وهذا التغيير غش وتزوير بهدف التربح، ومع الأسف أصبح شائعا في البلاد العربية تزوير أعمال الفنانين الرواد، ولكن من ليست له الخبرة بأعمال هؤلاء الفنانين الكبار وأساليب أعمالهم لن يعرف بأن العمل الذي أمامه هو عمل مزور، مضيفا أن من يستغل خبرته واقتناءه للأعمال الفنية القديمة وإعطاء شهادات لمصالح شخصية، هو عدم صدق في الحفاظ على مجهود الفنانين، مطالبا بتوثيق الأعمال الفنية من قبل لجان مؤسسية صادقة تهدف إلى الارتقاء بالفن وليس الربح.