من بين العلامات والإشارات الصحية الموجبة للمجتمعات والشعوب الديناميكية الحية، أن تجد بينها أطيافا وأفرادا وجماعات تنظر وتطرح البدائل لأفكار الحروب، أو ترى أن في أيام الزمن لحظة مناسبة تقتنع فيها أن الحرب قد وصلت إلى الحد المقبول من أهدافها الجوهرية المعلنة. نحن هنا في السعودية لدينا هذا الطيف مثلما لدينا الإنتلجنسيا القادرة بامتياز على صناعة حلول البدائل وتسويتها وهذا لا يحدث إلا في الدول القادرة على الحسم والحزم، ولكن بثلاثة أركان: اقتصاد قوي، وأمن داخلي شامل، وقيادة واعية تحظى بالثقة الشعبية المطلقة وهذه ثلاثة أركان لا نعاني من نقصها في جسدنا الوطني مقدار رأس إبرة.
نحن في الأساس مجتمع سلمي مدني وسكان دولة لم تجنح في كل تاريخها لخيارات الحرب إلا إذا كانت خيارا وحيدا أخيرا نذهب إليه اضطرارا وضرورة. ومن منطلق وطني بحت لا بد لنا من أن نطرح تساؤلات ومخاوف هذا الطيف: هل بل متى تحين اللحظة المناسبة لإنهاء الحرب وطرح البدائل؟ الجواب البدهي يكمن في الأهداف التي اضطرتنا بدءا إلى خيار الحرب. الجواب يكمن في السؤال: هل ذهبنا إلى عاصفة الحزم من أجل أمننا الداخلي وتأمين حدودنا وسلامة مواطنينا، أم من أجل أمن واستقرار شعب مجاور شقيق جاء إلينا نظامه الشرعي للنجدة والنخوة؟ الجواب يكمن في ترتيب الأولويات، وهنا سنقول بكل ثقة إنها نجحت في القضاء على الترسانة العسكرية الهائلة التي كان يمتلكها صبيان الحروب في هذا البلد المجاور ولم نكن قبل العاصفة نعلم لمن كان كل هذا التكديس في بلد تحيط به البحار والمحيطات من جانبيه ونحن، وحدنا، فقط على الجانب الثالث. أنا كمواطن على بعد صاروخ تنكي من هذه الحدود، أشعر أنني اليوم أكثر أمانا وطمأنينة من اليوم السابق لبدء هذه العاصفة وهنا سأقول بثقة كاملة إنها حققت كامل أهداف ترتيب الأولويات في حياة المواطن السعودي. هذه العاصفة هي من أرسلت لإيران رسالة واضحة صريحة أنها لن تقوى ماضيا أو مستقبلا على المقامرة والمغامرة أمام الطوفان السعودي وهذا هدف أساسي أكملت به هذه العاصفة أهداف رسائلها الأولية.
بقي أن نذكر ما هو أهم: قبل العاصفة ابتدأت كتائب المخلوع وميليشيا الحوثي منهج تحويل اليمن إلى دولة فاشلة ومع العاصفة واصلوا السير بهذا الاتجاه حتى وصلوا بها إلى الشرط الخامس لتوصيف الدولة الفاشلة. وفي وسط هذه البيئة لن يتغنى أي من هذه العصابات بالقدرة على الحكم أو توزيع كذبة الانتصار لأن الدولة الفاشلة، وبعد اكتمال شروط التوصيف، تحتاج إلى أكثر من عقد من الزمن كي تتعافى مبدئيا من أمراض شروط الدولة الفاشلة الخمسة، أيا كان هذا الحاكم. في بيئة الدولة الفاشلة تجنح الميليشيا وعصابات الإرهاب إلى جر خصومها إلى حروب الاستنزاف، لأنها الغطاء الوحيد الذي يمنحها شرعية تسويق البقاء أمام شعبها الداخلي وهذا ما تفعله في اليمن بالضبط بعد هزائمها المدوية. هذا ما يجب أن ننتبه إليه لأن مقياس نجاحنا في عاصفة الحزم أنها حققت الهدف الأصلي المزدوج: أمن الحدود والمواطن في الداخل وتدمير ترسانة العدو وإرسال رسالة قوية له ولحلفائه لا يمكن له نسيانها للأبد. وفي أجواء مثل هذا الانتصار الساحق يبدأ السؤال: هل آن الأوان لقطف الثمرة؟