أحمد الأحمدي

تتملكنا الحيرة عندما نرى مجرما ذا ماض سحيق في عالم الإجرام لا يتجاوز تعليمه المراحل الابتدائية يؤلف كتابا عن سيرة حياته، وقد ملأه بمعاركه المختلفة مع الحياة بنصوص رصينة متقنة وسرد مشوق، ويجد كتابه قبولا واسعا لدى كافة طبقات القرّاء، أو عن ثري سخيف لا يجيد حتى الحوار في مقابلة تلفزيونية معدة مسبقا يؤلف كتابا عن ملحمة كفاحه ويسطر فيه جملا أنيقة ذات تعابير بلاغية عالية وأسلوب جذاب. ليست الكتابة بذلك الأمر الهين ليجيده أي أحد، خاصة ممن لم ينل حظا وافرا لينهل من معين القراءة في الثقافة والأدب، لكن في الأمر سر أو ربما أشباح من بني البشر ممن آثروا الاتجار بما تخطه أناملهم تحت إكراه الحاجة أو قهر التهميش، فطوّعت لهم أنفسهم التنازل عن إبداعاتهم لصالح من لا يجد مشقة في جذب الانتباه إليها بسبب هالة الشهرة الدائمة التي تحيطه أينما حل. نشأ مفهوما الكتابة في الظل(Ghost Writing ) والكاتب الشبح في بدايات عصر النهضة في أوروبا، عند ازدهار الثقافة والفنون عندما لجأ إليهما الأثرياء لإضفاء نوع من الوجاهة الثقافية والمعرفية التي كانت من السمات الضرورية لدى أفراد الطبقات المترفة في ذلك العصر، ولم يكن ذلك مقتصرا على النصوص الأدبية فقط، بل امتد ليشمل كافة الفنون كالرسم والنحت والموسيقى.
استمرت الكتابة في الظل إلى وقتنا الحالي وطالت أعمالا شهيرة مثل رواية قتل الطائر المحاكي لهاربر لي (كاتبها الحقيقي ترومان كابوت)، وسلسلة  حرب النجوم المنسوبة لجورج لوكاس (كاتبها الحقيقي الآن دين)، ولم تُثر ضد هذا الأمر أي شبهة أخلاقية أو قانونية بحجة أن الأمر يتم باتفاق متبادل بين الكاتب الحقيقي والكاتب الصوري، كما أنه مجدٍ من الناحية المادية، فهناك من جمعوا ثروة من وراء هذا الأمر من أمثال الكاتب البريطاني أندرو كروفت، وهو أشهر الكتّاب الأشباح على مستوى العالم.
في عالمنا العربي تستحوذ كتابة الشعر والسير الشخصية على المساحة الأكبر مما يتم كتابته في الظل بواسطة أشباح الكتابة، والتي امتد نشاطها لتشمل المقالات والمدونات وحسابات قنوات التواصل الاجتماعي المختلفة، ولعل هذا يفسر كيف تجد بعض الشخصيات الوقت اللازم للتواصل مع الجماهير من خلال عدة تطبيقات في الوقت نفسه.