حينما كنت طفلا في الصف السادس الابتدائي، أخبرني أحد زملائي الجامحين بُعيد الطابور الصباحي، بنسخة شوارعية لم تكن في وقتها أبدا سردا جيدا لإخبار أي طفل، كان درس الغرائبيات الأول في حياتي، عن كيف يولد الأطفال.
فقلت له إن أمي امرأة نزيهة ولن تفعل ذلك، كنت أردد صارخا: إن أمي لن تفعل ذلك، ظللت أردد تساؤلاتي المرتاعة أمامه بنهم طفولي مضطرب، كان لا ينفك عن انتهاك جهلي بطريقة مسمومة وضحكات عالية شريرة، تطور الأمر ليصبح شجارا وكنت أردد حين شجارنا وارتداد اللكمات من كل صوب ماما ليست كأمك، لينتهي بنا المطاف في غرفة المرشد الطلابي، كان ذلك المكان سوى فضاء المخيلة المكان الوحيد، الذي تكبر فيه تساؤلاتي حتى لا يسعها أحد. دون الخوف من أي هامش كنت أكبر وأكبر، والجميع كان يسخر من جهلي، الجميع بلا استثناء كان يتسلى بنغز طفولتي بسلاح السخرية سوى معلم الرياضيات وصديقي عبدالله، اللذين كانا بطريقة ما يشفقان عليّ أكثر مما يسخران. كيف كان من الممكن أن يُعلم الأطفال الكبار بعضهم البعض عن الأشياء المهمة جدا في هذا العالم بطريقة وضيعة جدا؟ في تلك الغرفة الصغيرة كان معلم الإرشاد يحاول جاهدا مصالحتي مع الأمر، كان يخبرني عن النسخة المقننة من القصة التي لم أكن أود سماعها في حينها، باءت كل محاولته في إعادة تصحيح الأمر في مخيلة الطفل بالفشل، فالصغار مثلي لم يكونوا ليسمحوا للكبار بالتدخل في صياغة المخيلة، غرارا بالوصايات التي كانوا يمارسونها على قصات الشعر والملابس حتى نقوش ملاءاتنا وألوان جواربنا، لم أكن لأخون حرية الطفولة وأسمح لأحد بالتورط بمخيلتي، والصغار أيضا لم يكونوا ليرضوا بمصالحة تأتي لتلبي رغبات الكبار التي كانت دائما ما تكون رغبات مزعجة.. والصغار مثلي يلوذون بهلعهم لصدور أمهاتهم، وحدهن الأمهات كن يحتملن كل هذا النزق الطفولي بإجابات واسعة تليق بتساؤلاتي.
عدت يومها مشحونا لأواجه أمي بتساؤلاتي.. صُدمت..! ساءني اعترافها، تمنيت لو أنها كذبت عليّ، لقد كنت هالعا مرتاعا وأنا أطلق الخوف شظايا والدموع بندقيات تثقب قلب أمي.. لو أنني كنت متماسكا، ولو قليلا. كنت وقتها مفعما بالهشاشة أكثر من قطعة ويفر. توقفت في ذلك العام عن تحايا أمي الصباحية، وزهدت كثيرا في قبلاتها، وكرهت أبي حينها لدرجة كبيرة، وددت لو أنني أستطيع إخفاءه في صندوق ألعابي بطريقة ما، لأمنح أمي الخلاص وحياة عادلة تليق بحبها، لقد شعرت حينها بأنها تخونني أيضا بطريقة ما.
حمزة مطهري