لم يسبق لي زيارة دولة الكويت الحبيبة، ورغم هذا فقد زرتها مراراً ومراراً، زيارات متعددة، زيارات بالعين والأذن والوجدان.
زرت الكويت من خلال صوتها الجريح عبدالكريم عبدالقادر، وحجزت في صوته فندقاً مفتوح الإقامة ولسنوات.
زرتها مراراً، في روح وإبداع فاتنة الشاشة الخليجية سعاد عبدالله، وحجزت في شخصيتها وأنوثتها المغايرة، وجمالها الفني، غرفة تأمليّة مفتوحة الإقامة والغمامة.
لكني لم أزر جغرافيا الكويت الترابيّة، وكنت ولا زلت أتمنى زيارتها، ليس للاستمتاع بمبانيها الضخمة وأبراجها، بل أتمنى زيارة حيّ الجهراء الشعبي البسيط بها.
عرفت حي الجهراء ولم أعرفه، زرته ولم أزره، وذلك من خلال ما أنتجه هذا الحي الشعبي البسيط من قيمة إبداعية شعرية، يعرفها تماماً من له علاقة بالشعر العامي.
فهد عافت بكل أقماره وأطياره الشعرية، كتب أجمل قصائده عندما كان يسكن هذا الحيّ، فنقلنا في نقل حيّ ومباشر، إلى منازل الجهراء وأحواشه، وحبال غسيله، عندما كان عافت عافت، وهو يدندن:
نعيق غراب
نعيق غراب
ولا الجهراء تجمّع رملها في راحة ايديني
ولا هذا هو المرقاب.
سليمان الفليح، الأب الروحي والإبداعي لأجيال من الشعراء، والشاعر الفصحوي الكبير المطير، كان يسكن الجهراء وتسكنه.
فهد دوحان وخلف الأسلمي وعبدالله الفلاح وسامي الفليح وفرج صبّاح، ومن قبلهم ومن بعدهم الشاعرة الكبيرة سعدية مفرح، وغيرهم من الأسماء المؤثرة في المشهد الشعري والكتابي الكويتي، وصلونا من الجهراء، وأوصلونا إليها، فشممنا رائحة المكان، ورائحة الاختلاف.