عبدالله الغامدي

في عالم تتقاذفه التطورات المتلاحقة كما ونوعا يتجلى الجنون والفتون فلا تدري من فتن بمن؟ ومن جن بمن؟ لا مجال لتحديد هذا الأمر لا من قريب، ولا من بعيد فقد بات الواقع أشبه بدوامة تبتلع كل شيء والناس تهوي إليه وفيه كآت غيّه وهو طائع - على حد تعبير قيس لبنى-!
لم يعد الناس اليوم كأسلافهم من أناسي الأمس، بالرغم من أن أصابع اليد والرجل ما زالت عشرين، وبالرغم كذلك من أنهم ينعمون - كسابقيهم - بعينين ولسان وشفتين!
ما الذي يحدث على وجه التحديد؟ فالزمان ما زال ليلا ونهارا.. والناس تبدأ صغارا ثم تكبر.. والشمس تشرق في النهار والقمر يأتي حين يرخي الليل سدوله.. لم تتغير الثوابت أبدا ولم تتزحزح المسلمات عما ألفناه وخبرناه.. لم يتغير شيء أبدا في ثوابت الكون وأنظمته ما خلا العقل البشري الذي ما زال يفتك بالبشر بقدر ماي سعدهم ويأنس بشقائهم بقدر ما تغنى بشفائهم..
كنت أتأمل أسرار الثبات والحركة في العقل البشري المعاصر قبل أيام وأنا أراقب ابنة أختي وهي مصرة على أخذ الجوال من يد خالها مع سبق الإصرار والترصد.. فقلت ذلك شأن الطفولة، فهي إما أنها ستعض الجوال أو تطأه بقدميها أو ترمي به في مكان مريب أو غيهب سحيق! وليتها فعلت!
فوجئت بما لم أتوقع! فهي أيضا مفتونة بالتكنولوجي فتنة خالها وعمها وقبلهما أمها وأبيها! اقتربت منها أكثر لرصد المشهد عن كثب والتقطت الجهاز من يدها بالقوة فصرخت واتبعت ذلك بهجوم مضاد لي لاسترداده فعلمت أنها الفتنة بالموبايل.. أعدته لها وحاولت أخذه بالطرق السلمية فاستعصت عليّ، مبدية ملامح وجه مليء بعدم الثقة، بل ومفعم بالضجر والسخط.. لسان حالها وشفاهها (المنسدلة إلى الخارج) كانت تحمل وعدا ووعيدا لا مجال للاستهتار بما سيأتي بعده.
هداني فكري لأن أخرج جوالي وأدعوها لأخذه هذه المرة، فهشت وبشت واقتربت مني متناسية حربا ضروسا لم تنته إرهاصاتها إلا قبل بضع ثوان! نعم افتتانها بالجوال الذي ذابت معه أخلاقيات الحرب وبروتوكولات السلم سويا... اتكأت الآن بجانبي وبدأت تعبث بأصابعها الصغيرة باحثة عن الأيقونة الحمراء.. عن المدهش (اليوتيوب)!
سطرت الصغيرة الجميلة - بحرفية ملفتة - الشاشة طولا وعرضا ورأسا على عقبا فلم يرق لها ما احتواه البرنامج لأنها وجدته على خلاف ما عرفته في جهازها.. رمت الصغيرة بنقالي جانبا واكتست (بشقاوة) وجهها السابق، مظهرة تأزما جديدا في العلاقات بيني وبينها.. قبلتها رغما عنها وقلت بكل ثقة: نعم هي الفتنة وهو ستيف جوبز الذي غير العالم ولم يسلم من تغييره أحد حتى هذه الصغيرة - ثم رحل-!