في ذمة الله أنت يا من مسكت المحامد والفضائل والمكارم من تلابيبها، وطوعتها لمنهجك الذي عرفت به، تتاجر بها مع ربك، وتخدم بها قومك بضمير حي.
حسين بن مشيط، كنت ملاذاً بعد الله لقبائلك ومجتمعك، تصد عنهم عاديات الدهر وصروف الزمن، كنت المستشار والحكم في آن، كنت الأب والأخ والصديق والشيخ الذي يمتلك بتوفيق الله مفاتيح الحلول الصعبة في الزمن الصعب إلى درجة أنك أحيانا تسبح وحدك ضد التيار لتفي بالتزامك تجاه ربك ومجتمعك، ولأن نواياك صادقة فلم أعلم أن الله خيبك في مسعى سعيته، لأنك تبتغي بذلك وجه ربك عندما تطرأ أي مشكلة عند أحدنا أو تكون له حاجة، فأول من يتبادر إلى ذهنه أنت، لما أودع الله فيك من صفات اختصك بها لتحتل مساحة واسعة في مجتمعك، فهنيئا لك حيا وهنيئا لك ميتا.
أيها الراحل حسين بن مشيط، ليتك تسمع ما يقال عنك بعد ما واراك الثرى، كنت وأنت بيننا تسمع الإلحاح في المطالبات بقضاء الحاجات العامة والخاصة، تسمعها وأنت في مجلسك، فتبادر في قضائها بنية صادقة وقلب رحيم واستشارة مسؤولة، وكأنك خلقت لقضاء حوائج الناس، كنت تقضيها أيها الكبير بجاهك ومالك ووقتك وصحتك وحقوق أسرتك، تفعل ذلك بقلب راضٍ تبتغي ما عند الله وإنفاذا لما استودع الله فيك من قدرة على تحمل ذلك كله، واليوم ليتك تسمع كل هؤلاء وغيرهم وهم يتحسرون عليك ويندبون حظهم لفقدك، أستغفر الله فلا اعتراض على قضاء الله، وألسنتهم تلهج بالدعاء لك يا كبيرهم وشيخهم بأن يسكنك الله الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يحشرك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وحق لهم ذلك، فلقد خلت الساحة عن أبي مساعد خلت عن حسين بن مشيط، وأسأل الله أن يبارك في خلفك وألا يخيب ظنك فيه، لم تعد في بيتك لتقضي الحاجات بإذن الله ربك، فلقد جاورت ربك وتركتهم لربهم.
لقد عرفتك - رحمك الله - تحمل هموم وطنك وأمتك، وتلهج بالدعاء لحكومتك وولاة أمرك، تفعل ذلك لأنك رضعت وتشربت هذا الوفاء لوطنك من أسلافك أجدادا وآباء، مرورا بشيخك وقدوتك وابن أمك وأبيك الشيخ عبدالعزيز - أمد الله في عمره - وكافة أسرتكم آل مشيط، كنتم وما زلتم أوفياء بقوة لهذا الكيان وحكامه، بل أعتبركم امتدادا شديد الإخلاص لتوجه وإرادة ولاة أمركم، وقليل من يماثلكم سابقا ولاحقا في هذا التوجه الفريد تجاه وطنكم وحكامه، ولا ينتطح في ذلك عنزان كما يقال، فبارك الله فيكم وفي توجهكم أيها المخلصون.
أيها المرحوم بإذن ربك بعدما رأيت وسمعت غبطتك على موتك لأمرين: الأول أن مراسيم عزائك كانت تظاهرة ضخمة تجبر خللا غير عادي وقع في مجتمعك بسبب فقدك، وكان كل واحد من هذا الحشد الكبير المتموج يحمل في قلبه عزاء وفي بيته عزاء وفي كل مواقفه عزاء، وبحجم التجمع وحجم النقد كان صادق الدعاء لك من قلوب مؤمنة في أيام فاضلة ورب غفور، كان ذلك فألا طيبا لأنك دائما حسن الظن بربك، والأمر الثاني أنه منذ دخول رمضان كنت معتكفا في مكتبك كعادتك لأربعة أمور: قراءة القرآن الكريم، وتوزيع الزكاة - ولم أر مثلك حرصا على إخراج الزكاة - والإنفاق وقضاء حوائج الناس، وكان ذلك عزاء الجميع فيك، أخا وأختا وزوجة وأبناء وبنات ومحبين وأصدقاء.
لقد علمتنا يا شيخنا - رحمك الله - كيف نحمل الهم العام والخاص، فلا أعلم أننا اجتمعنا في منزلك إلا وأنت تطرح فيه قضية للنقاش، وكنت تعطينا مساحة للحوار نختلف فيها معك، فلا تتبرم، ولا تتضايق.
أيها المفارق: إنك مفردة صعبة في عالم المشيخة والقيادة والريادة، بل أنت ظاهرة لم تتكرر في مجتمعك. لم تشعر في يوم من الأيام أحدا من أصدقائك ومحبيك بأية فوارق، ولم تشعر يوما ما أحدا من عمالك أو موظفيك بأية فوارق، وجعلنا بعضكم لبعض سخريا، لقد عرفناك تشاطر الجميع وتلاطفهم وتصادقهم وأيضا تتودد إليهم من موقعك المميز، وبالمقابل فالكل يعلم أنه إذا احتدم الأمر وضاعت الحيل وعميت البصائر وجفت الأرياق كنت لها بموقف حازم، ورأي حاسم، لا يقبل الجدل والنقاش، وكنت السهم الذي يصيب في مقتل، فلله درك أنت من رجل حوى كل هذه الخصال الحميدة. لقد تعمدت أن أتأخر بخواطري هذه، ولولا أن أشق على خاصتك ومحبيك لكتبت عنك في كل شهر خاطرة. أسأل الله - جلت قدرته - أن يغفر لك عدد استغفار كل من استغفر لبشر، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأن يرحمك بحجم السماء والأرض وما فيهما من ذرة وحبة رمل، وأن ينزلك الفردوس الأعلى من الجنة.