المؤسسة الثقافية تصنع المكان ولا تخلق الثقافة. هذه حقيقة لن نختلف عليها، ومن هنا يظهر لنا أن فكرة اختيار وزارة الثقافة والإعلام لـ50 مثقفاً ومثقفة لوضع تصورات للهيئة العامة للثقافة وتأسيسها تنطلق من هذا المعنى، وهو أن الثقافة يخلقها المثقفون وليس المكان.
صناعة الثقافة هي جزء حيوي ومؤثر في تشكل المجتمع، فالثقافة ظاهرة إنسانية اجتماعية وليست حصراً ترفيها، أو ملتقيات، أو ندوات، بل هي أكثر من ذلك. هي تنمية وتطوير مؤثر وقوي في تشكيل وعي ووجدان المجتمع إذا عملت بشكل عميق على البنية المعرفية وليس على الهامش. فإذا كانت البنية المعرفية تعني تعزيز ثقافة الفن والمسرح والأدب فإن الهامشي هو مقاربة هذه الفنون بطرق سطحية.
إن الثقافة اليوم تعاني من ركود واضح على مستويات عديدة، حيث لا يوجد مشروع حقيقي يتقاطع مع الثقافة والترفيه، بالإضافة إلى أن هذا الأمر سيشكل شتاتا حقيقيا لحركة الثقافة. إن جلّ ما تحتاج له المؤسسة الثقافية هو إيجاد كيان كبير مستقل تتحرك من خلاله وتقوم به وعليه الحركة الثقافية، يكون بمثابة العقل المفكِّر والمحرك للثقافة وكل ما يمت لها بصلة سواء الحركة الأدبية أو الفنون. هذا الكيان يتمثل في إيجاد مجلس أعلى للثقافة وهو مرادف لمعنى الهيئة العامة للثقافة أو منطلق من خلالها مع اعتبار الفارق الحركي، حيث إن الهيئة يتشكل أعضاؤها مركزيا أما المجلس فيقوم على اختيار أعضائه، وأن يقام مجلس وطني له مهامه وصلاحياته بشكل مستقل قائم على متطلبات الثقافة دون مركزية بل يقوم على روح الثقافة وقيمها، وأن تتشكل من خلاله رابطة للأدباء السعوديين، ومراكز ثقافية تلغي الجمعيات والنوادي الحالية، بحيث تأخذ الحركة الثقافية مساراً واضحاً منظماً، وأن تسند مهام المجلس إلى المثقفين المعنيين بالفكر والثقافة والذين لا يتمتعون بأية مزايا، وأن تكون لهم قيادة الرؤية الجديدة للثقافة ومسيرتها.
الثقافة لا يصنعها الإداريون والمنفذون والأكاديميون بقدر ما ستكون على نهج مختلف في حال كان المثقفون هم صناع الثقافة، وهم من يقوم على هذا المطلب الوطني والثقافي، فالثقافة لا يصنعها إلا المثقفون مثلما الإدارة لا يقوم عليها إلا الإداريون.