كشفت الأزمة التركية الأخيرة خللا كبيرا في عمل السفارة السعودية هناك، ظهر من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، التي اشتكى مستخدموها من عدم رد السفارة على اتصالاتهم

عمل السفير عبارة عن إجازة مدفوعة الراتب
سواء صحت أو لم تصح نسبة هذه العبارة إلى الأديب الكبير الدكتور غازي القصيبي أثناء عمله سفيرا، فإن واقع السفراء اليوم يجعلها تصح واقعا لا قولا. السفارات السعودية في الخارج بمرافقها العاملة من قنصلية وملحقيات هي في موقع المسؤولية، وحين يحصل خلل في عملها يصبح من الواجب التنبيه إليه. 
لقد كشفت الأزمة التركية الأخيرة خللا كبيرا في عمل السفارة السعودية هناك، ظهر من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، التي اشتكى مستخدموها من عدم رد السفارة على اتصالاتهم أثناء الأزمة، وراحوا يقارنون مستوى تجاوب موظفيها بتجاوب موظفي سفارات دول الخليج هناك، التي أبدت تفاعلا مسؤولا مع اتصالات مواطني بلادها، ومع المواطنين السعوديين أيضا، حتى علّق أحد مستخدمي تويتر قائلا: ما قصر موظف السفارة الكويتية، رد عليّ ولما شكرته وشكيت له من سفارتنا، قال: اش دعوه يا معود كلنا واحد..
هذا ما يقوله تويتر، أما ما سأرويه لكم، بدءا من هذا السطر تحديدا، فهو ما حصل معي شخصيا، حيث كنت في تركيا في ذاك اليوم، وقد اتصلت بكل الأرقام المسجلة في إعلانات السفارة لكن دون جدوى. بعد ذلك طلبت من الفندق أن يتواصل مع السفارة علّها تتلطف بالرد، لكن الموظف، الذي كرر الاتصال مرارا، أجاب متعجبا: في ظرف مثل هذا ظننت أن السفارة السعودية أول من يجيب!
لم تجب السفارة، ولم تعتذر، ولم يرد موظفوها على مستخدمي تويتر لطمأنتهم (يمكن الرجوع لحساب السفارة الرسمي على تويتر)، بل اكتفت بإصدار تعميم بضرورة التزام مقر الإقامة، وهذا أمر بديهي لا يحتاج لجهد السفارة، فالكل كان ملتزما مقر إقامته بطلب من الفندق، لذا فهذا التعميم لا يعفي السفارة من مسؤولياتها، خاصة وقد بقي الرعايا السعوديون معلقين على خطوط الهاتف، في الوقت الذي حجزت فيه السفارة الكويتية لرعاياها أحد الفنادق الفخمة من فئة الخمس نجوم تمهيدا لنقلهم بطائرات الخطوط الجوية الكويتية إلى بلادهم.
الخطوط السعودية- في الواقع- كانت أسرع تفاعلا من السفارة، حيث أعلنت في غضون ساعات من انطلاق المظاهرات في شوارع إسطنبول بيانا رسميا بإعفاء من لديهم حجوزات مؤكدة من غرامة استرجاع التذكرة في حال رغبتهم في إلغاء الحجز، ثم أُعلن لاحقا، بعد يوم من تخصيص طائرات خليجية لإجلاء الرعايا الخليجيين، عن تخصيص رحلات على متن الخطوط السعودية.
في صباح اليوم التالي للأزمة تناقل الرعايا السعوديون أخبارا عن اعتذار السفارة عن عدم الرد بسبب ضغوط الاتصال، وهو الاعتذار الذي لا وجود له على موقع السفارة الرسمي حتى اليوم، لكننا كنّا نداول هذا الاعتذار من باب تبييض الوجه أمام أشقائنا الخليجيين الذي كانوا يجاوروننا في الفنادق.
أنا شخصيا اتصلت بعد فشل محاولاتي مع السفارة في أنقرة والقنصلية في إسطنبول بموظفين أٌرسلت أرقامهم إلي، لكن أحدا منهم لم يجب. ولأن تلك لم تكن المحاولة الأولى فقد توقفت عن الاتصال واكتفيت بإعادة قراءة تعميم السفارة بشأن الهدوء والتزام مقر الإقامة على أبنائي لتطمينهم.
ويؤسفني تماما أن أقول، وبكل صراحة، إن اعتذار السفارة بكثرة الاتصالات غير صحيح، خاصة أني اتصلت بها قبل أيام من الأزمة ( حيث لا ضغوطات) بسبب مشكلة تعرضت لها مع الفندق، ولمّا لم يجب أحد عن اتصالاتي، لجأت إلى طوارئ السعوديين في الخارج، وهنا كانت الإجابة، لكنها أيضا كانت محبطة، فقد طلب مني الموظف في الرياض أن أعطيه رقم السجل المدني بدلا من رقم جواز السفر الذي أحمله، وحين ذكّرته بتعميم وزارة الخارجية بشأن عدم حمل الوثائق عدا جواز السفر في الخارج، أجاب: أعتذر منك، لابد من أرقام السجلات المدنية.
ظاهرة عدم الرد على الاتصالات من قبل السفارات السعودية تتكرر كثيرا، ففي العام الماضي تعرضت في دولة الإمارات العربية لحادثة نصب من قبل أحد تجار العقار، واتصلت بالسفارة السعودية هناك، طمعا في استشارة محاميها القانوني، فكان عدم الرد نصيبي أيضا، ما اضطرني للتعامل مع الشرطة الإماراتية، ورغم أن الموضوع لم يحل بالشكل المرضي، إلا أني قبلت بأقل الضرر، فذاك أفضل من انتظار رد السفارة.