إذا كان الاستقلال الأسكتلندي يشكل البداية العملية لانفراط عقد المملكة المتحدة؛ فإن استقلال لندن سيسرع هذه العملية الافتراضية
أثارت نتائج استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تكهنات متضاربة في الأوساط المالية والسياسية الأوروبية والعالمية، ترافقت بمخاوف سياسية واقتصادية ومالية على بريطانيا. عززتها بعض المؤشرات أبرزها إعلان نايجل فاراج استقالته من زعامة حزب استقلال المملكة المتحدة لأنه حقق بحسب قوله هدفه السياسي الرئيسي الذي أسس من أجله الحزب، وهو إخراج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
وعادت الشكوك تتنامى حول مستقبل المملكة المتحدة وقدرتها على البقاء دولةً موحدةً بعد أن تعالت أصواتٌ تطالب بإعادة طرح مسألة استقلال أسكتلندا؛ إذ يسعى دعاة استقلالها إلى بقائها عضواً في الاتحاد الأوروبي. وجاء التوجه هذا عبر رئيسة وزراء أسكتلندا، نيكولا سترجن، التي رأت أنّ تنظيم استفتاء جديد حول استقلال أسكتلندا بات مرجحاً جدًا، لأنها لا تريد أن يصبح الأسكتلنديون خارج الاتحاد الأوروبي رغمًا عنهم، بوصف أكثريتهم صوّتت لمصلحة البقاء فيه.
إنشاء المملكة المتحدة أو مملكة بريطانيا العظمى يعود إلى 1 مايو 1707، حيث تم اتحاد سياسي بين مملكة إنجلترا، التي تشمل ويلز، ومملكة أسكتلندا. ونجح بعض ملوك إنجلترا في فترات من القرن الثاني عشر الميلادي في جعل مملكة أسكتلندا تابعة لهم. وكانت العلاقة بين المملكتين في حركة مد وجزْر دائمة. فمثلاً، شهدت السنوات الأخيرة من القرن الثالث عشر الميلادي، وكل سنوات القرن الرابع عشر، محاولات ملوك إنجلترا فرض سيطرتهم على أسكتلندا، وبالمقابل ثورات الأسكتلنديين للخلاص من السيطرة الإنجليزية. وقد تحقق لهم ذلك عندما اعترف الإنجليز باستقلالهم عام 1328.
تتمتع أسكتلندا حاليا بحكم ذاتي، ولها برلمان وحكومة محلية تدير شؤون الصحة والتعليم والنظام القضائي، لكن لندن تتحكم في المجالات الأخرى مثل الضرائب والدفاع والشؤون الخارجية.
وكان رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون قد قال بعد توقيعه في فبراير 2013 على اتفاقية تنظيم الاستفتاء حول استقلال أسكتلندا: أريد أن أكون رئيس الوزراء البريطاني الذي حافظ على وحدة المملكة المتحدة. وأن وضع أسكتلندا أفضل داخل بريطانيا، وقال لاحقا: نحن أفضل معا، وسنكون أفقر إذا تفرّقنا، وبريطانيا ناجحة. بريطانيا تعمل بشكل جيد. لماذا نقسمها؟.
لكن؛ بعيد صدور نتائج الاستفتاء أطلق الصحفي جيمس أومالي عريضة تطالب عمدة لندن صادق خان بـإعلان لندن مستقلة عن المملكة المتحدة، وأن تقدم ترشيحها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وأطلقت عريضة أخرى مشابهة تحت شعار لتبق لندن داخل الاتحاد الأوروبي. وأصدر صادق خان بيانا طالب فيه بإشراك مدينة لندن في مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي على غرار أسكتلندا وأيرلندا الشمالية.
وتمتد مدينة لندن الكبرى على مساحة 1500 كلم مربع، وتضم مناطق ريفية على أطرافها. وفي وسط المدينة حيث الاكتظاظ السكاني كبير وصلت نسبة المصوّتين للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي إلى أكثر من 75%.
فإذا كان الاستقلال الأسكتلندي يعني لبريطانيا: فقدان ثلث مساحتها تقريبا وانخفاض عدد سكانها من 64 إلى 58 مليونا وخسارة 245 مليار دولار من دخلها القومي كل عام، وتراجع قيمة الجنيه الإسترليني، مما قد يشكل البداية العملية لانفراط عقد المملكة المتحدة العجوز وأعتى إمبراطورية في التاريخ كانت لا تغيب عنها الشمس، حيث شملت في عام 1922 ما يقرب من ربع مساحة اليابسة في العالم، فإن استقلال لندن سيسرع هذه العملية الافتراضية التي تفتقد حاليا رزمة مقومات حقيقية.